recent
أخبار ساخنة

قانون المؤثرات العقلية - ايجابياته وسلبياته …..

الحرير/
بقلم / الاستاذ الجامعي : أحمد يحيى عيسى 
خلال السنوات الأخيرة ، كان يتبادر الى اسماعنا كثيرا موضوع ( المخدرات ) وتفشيها في المجتمع العراقي وخصوصا في محافظة البصرة الحبيبة . وبحكم البيئة التي نعيش في وسطها فكانت المعلومات التي تصل الينا بما يتعلق بالمخدرات شحيحة ومحدودة جدا . إلا انه عندما تم اعتقالي واحتجازي في أماكن يتواجد فيها الكثير من مدمني المخدرات من فئة المتعاطين ( الضحايا ) او من يطلق عليهم بتجار المخدرات ومروجيها والجميع من مواطني محافظتنا البصرة الحبيبة ، فقد إنتابني شعور قوي بانه اذا كانت محافظات العراق الشمالية من الموصل وصلاح الدين والانبار وديالى قد تم إستباحتها من قبل المجاميع الارهابية والداعشية بمختلف توجهاتها فان محافظاتنا الجنوبية تم استباحتها وغزوها بالمواد المخدرة وخصوصا البصرة . 

المخدرات لمن لايعرفها فهي أنواع مختلفة ، أغلبها طبيعية مثل الهيروين والترياق والحشيشة والأفيون … الخ . وأخطر المواد المخدرة والمنتشرة في محافظة البصرة على وجه الخصوص ويكاد إنتشارها يصل الى ( ٩٥ ٪؜ ) هي المادة المنشطة أو المخدرة المسماة بمادة الكريستال ( وهي مادة صناعية وليست طبيعية ) واسمها العلمي ( المثيل إمفيتامين ) وهذه المادة المنشطة كان سعرها مرتفع جدا لغاية عام ٢٠١٧ حيث وصل سعر الغرام الواحد الى ( ١٠٠ دولار ) في ذلك الوقت . أما بعد عام ٢٠١٧ فقد إزدادت كمياتها بصورة مريبة بحيث أنخفض سعر الغرام الواحد الى ( ٥ الاف دينار عراقي ) في محافظة البصرة . وهنا ممكن ان نتخيل العدد الكبير جدا من المواطنين الذين بامكانهم شراء هذه المادة وتعاطيها بسبب رخص سعرها وسهولة الحصول عليها …. 

ولمنع تفشي ظاهرة إنتشار المواد المخدرة داخل المجتمع العراقي فقد شرع البرلمان العراقي قانونا للعقوبات والمسمى ( قانون المؤثرات العقلية رقم ٥٠ لسنة ٢٠١٧ ) . ولغاية هذه اللحظة هناك تساؤلات كثيرة يمكن أن تطرح تتعلق بهذا القانون ؟؟؟؟ فهل تم تشريعه من قبل أعضاء البرلمان فقط أم تم أخذ رأي الخبراء في هذا الموضوع مثل السادة القضاة أو القانونيين المتخصصين وهل تمت دراسة التداعيات المستقبلية عند تطبيق هذا القانون وتأثيره على المجتمع وخصوصا على الفئة من المجتمع التي تتعاطى والمدمنة على المواد المخدرة وخصوصا مادة الكريستال ؟؟؟؟؟؟ 

وبصورة موجزة تتراوح  العقوبات المفروضة في هذا القانون كالتالي : 

أ) فئة المتعاطين ( المدمنين - الضحايا ) سجن سنة ونصف وتسقط عدة أشهر من هذه المدة عند دفع غرامة مالية مقدارها ( ٥ أو ٦ أو ٧ ملايين دينار عراقي ) …. 

ب) فئة المروجين - سجن ثلاثة سنوات إضافةً الى دفع غرامة مالية تصل الى ( ١٠ ملايين دينار عراقي ) .

ج) فئة التجار - سجن خمس سنوات وشهر إضافة الى دفع غرامة مالية تصل الى ( ١٠ ملايين دينار عراقي ) . 

والعقوبات اعلاه تبدأ بالتزايد والتشديد عند تكرار الجريمة …. 

الذي رأيته وعايشته بنفسي كمعتقل تنقل بين مختلف أماكن الاحتجاز العائدة للأجهزة الأمنية في محافظة البصرة ، إن هناك جهود جبارة تبذل لمكافحة تفشي المخدرات من قبل الأجهزة الأمنية المختصة وقضاة محاكم التحقيق وقضاة محاكم الموضوع بفرعيها جنح وجنايات وخصوصا مكافحة تفشي وانتشار مادة الكريستال . وإن هناك خطورة كبيرة على حياة من يتعامل مع قضايا المخدرات من ضباط وقضاة ، كون ان هناك نسبة كبيرة من المتعاطين يميلون الى العنف والمصادمة والإنتقام بسبب التوهم المرضي الذي يعيشون فيه عند تعاطي مادة الكريستال ….. 

وهنا لابد أن يتم دراسة وطرح التساؤل التالي ؟؟؟؟ هل إن تطبيق قانون المؤثرات العقلية رقم ( ٥٠ ) لسنة ٢٠١٧ كان إيجابيا أو إن هناك مبالغة كبيرة في الأحكام القضائية الصادرة وهل إن هناك توازن بين تطبيق هذا القانون والمشاكل الاجتماعية الناشئة عنه وهل ان هناك حاجة لتعديله وإعطاء مرونة أكبر للسادة قضاة محكمة الموضوع في إصدار الأحكام للحالات الانسانية . رأيي الشخصي كمواطن من خلال التعايش مع أغلب المحكومين من فئة المتعاطين ( الضحايا ) … فإنني أميل الى التشديد في تطبيق هذا القانون بشرط واحد … أن يكون عراقنا ، عراق المقدسات وعراق نبوخذنصر وحمورابي قويا ومصانة حدوده الخارجية وغير مباحة لجميع دول الجوار وأجهزتها المخابراتية . أما في ظل الوضع الحالي مع عراق ضعيف وممزق وتتقاذفه التيارات المختلفة وحدود مباحة للجميع وعدم وجود قدرة مستقبلية على الحفاظ والسيطرة على حدود العراق …. فأنني أعتقد إن قانون المؤثرات العقلية لن يحل المشكلة وأصبح بمثابة إصدار عقوبة للمجتمع فقط . علما ان الغاية التي من أجلها شرع هذا القانون لم تتحقق . حيث إن أغلب المحكومين من فئة المتعاطين هم نفسهم يرجعون للسجون مرة ومرتين وثلاثة وممكن أن يكون المحكوم متعاطيا في المرة الأولى ويعود في المرة الثانية بتهمة التجارة بمعنى ان العقوبة المفروضة لم تحقق الإصلاح في المجتمع . 

لذلك فانني أناشد رؤوساء محاكم الاستئناف الاتحادية وكذلك رؤوساء هيئات محاكم الجنايات لكتابة تقارير وإحصائيات مفصلة عن هذه القضية الخطيرة ومن خلال تجاربهم العملية عند تطبيقهم لهذا القانون . وهل إن هناك إمكانيات لإدخال بعض التعديلات على نصوص هذا القانون وإدخال المرونه الإنسانية فيه من خلال التخفيف من شدة الأحكام القضائية وهناك أمور كثيرة ممكن أن يقترحها السادة القضاة كونهم أكثر تعمقا في هذا الجانب . 

الذي تم ملاحظته أيضا من خلال اللقاء الشخصي مع المئات من المحكومين من فئة المتعاطين ( الضحايا ) ومن فئة المروجين ومن فئة التجار وكذلك من خلال الإطلاع على المئات من مقتبسات الأحكام القضائية ، ان أعداد المتعاطين لمادة الكريستال وبمختلف الأعمار ( أطفال - شباب - كبار السن ) كبير جدا وينذر بكارثة مجتمعية مستقبلا وان هناك الكثير من العوائل في حالة ضياع وإنهيار بسبب احتجاز ابناءهم . ان اعداد المتعاطين وصلت لأرقام خيالية وخرجت عن أي توقعات علما ان جميع المحكومين من فئة المتعاطين ( الضحايا ) معروف عالميا ان حل مشكلتهم تكون بتوفير مصحات لمعالجة الادمان وليس وضعهم وتكديسهم في السجون فقط ونحن في البصرة نفتقر لهذه المصحات  . أما من يطلق عليهم بتجار المخدرات ومروجيها فالذي عايشته إن أعداد قليلة جدا ممكن ان تنطبق عليهم مفردة ( تاجر ) فهناك من يتم القبض عليه وهم الأغلبية ومعهم غرامات محدودة من مادة الكريستال ويصنفون ضمن فئة التجار أما التجار الكبار جدا والمعروفة أماكن تواجدهم في المناطق النائية في أطراف البصرة فيصعب الوصول اليهم . 

كذلك من خلال الإطلاع على واقع السجون العراقية ومشكلة الازدحام فيها بسبب أعداد مدمني المخدرات الكبير … فاصبح من الضرورات التفكير جديا لإصدار ( قانون العفو العام ) ، ويمكن وضع محددات وشروط لضمان عدم ضياع الحقوق العامة والخاصة عند إصدار مثل هذا القانون . أو إصدار تعليمات للإفراج عن المحكومين الذين تبقت على إكمال مدة محكوميتهم عدة أشهر ، فهذا سوف يقلل من ظاهرة الإكتظاظ داخل السجون بسبب الإفراج عن ألاف المحكومين عند إصدار مثل هذه التعليمات . 

الحرية يطلبها الجميع … والله ولي التوفيق …
google-playkhamsatmostaqltradent