recent
أخبار ساخنة

إصبع سقراط

الحرير/
بقلم/الكاتب محمد الكلابي 
يكره نيتشه سقراط ومدّعي فيه الحقارة والقبح ورمزًا للتفسّخ، ذلك أن نيتشه محبّ للحضارة الإغريقية التي بدأتْ مع الشخصيّة السقراطيّة بالخفوت، ولكننا هنا أمام جدل مُحدّثَين، فنيتشه الذي يرى نفسه ديناميت هو سقراطيّ أيضًا، وهنا نتسائل ،هل كل جدال يدفع بالتاريخ لنهايته؟ فما أن تسائلَ سقراط حتى بدأ المألوف الذي يستكن الناس فيه بالأنهيار، وألا يجعل هذا الإنهيار الناس أكثر غبطة لإنهم أخيرًا يقلقون، وتجربة القلق هذهِ تجعلهم أكثر تجمهرًا؟ إذ أن سقراط الذي يُعدّ " قطيعة إبستمولوجيّة " وقفزة تاريخيّة ألم يعلّم الإنسان معنى أن يكون عدوًا بغير سهمٍ ورماح أيّ عدو فكر وعقل؟ الشخصيّة السقراطيّة في كل زمان تكون مُفتعِلة للقلق لإن التفكير يُحرّض على إزالة القيمة ولا يكون للأفراد القدرة على الحكُم إذ تختفي حقوقهم في التحدّث حينما يُفكرون

 ونحن هنا في حيرة، أن التقدّم الحضاري هو تقدّم " تقني [ تكنولوجي] وتقدم معرفي، ونشاهد أن التاريخ كلّما تقدّم كلّما إنحلّ أخلاقيًا وحتى هذا هو سبب كره نيتشه لسقراط ،ذلك أن الإنسان كلّما خرج عن دائرة العادات والمألوفات ولا يشعر بالرقابة والإكراه الإجتماعيْين حتى تزداد في داخلهِ حركات سريعة ، حركات عشوائيّة بلا أتجّاه ، لو أن هيغل هنا لقال أن الإنسان يتحوّل من " لا نهائي إيجابي [ دائرة ] إلى لا نهائي سلبي [ خط مستقيم ] وبذا لا يجد في الحركات الخارجيّة ما يؤازر الحركات الداخليّة، ألا يعني هذا لنا إننا في نقيضٍ كونيّ؟ بين سقراط الذي يسألَ وهو في فراش موته متجرّعًا سمًا ورافع إصبع الحكمة ( وما هي الحكمة عندي غيرُ تمرير المعرفة وتعليمُها ) وبين إنهيار التقاليد جرّاء التحديث مما يدفع الإنسان إلى قلقه، حتى أن بعض الدول اليوم تدافع عن دين الناس حتى لا يفقد هذا الكائن نفسه، لإنه وفق فويرباخ عقل الإنسان يصنع من نفسه إله بشكل تلقائي ولو حرمنا التقليد والتديّن مثلًا سيشعر الإنسان أن لا معيارًا تاريخي يحتكم نفسه فيه ويجرّب وعيه، ولكن ألا يعني هذا كله إن التفلسف ظالم وأن سقراط مجرمًا حقًا؟ ولكن نيتشه يطمئننا في فكرة جذّابة حيث يقول إننا بإزالتنا الميتافيزيقيا من المجتمع ألا يُمكن أن يكون هناك بديلًا حيًا في العلم ؟ أن قلق الأنسان بدأ حينما أدرك إنه يفكّر ويعلم، وهذا ما نشاهده لدى قصّة آدم حيث أن " المعرفة " جعلته قلقًا، إذن المعرفة حقًا تدفع بالأنسان نحو تحطيم تاريخه وبذلك تكون ولّادة للقلق؟ أليسَ هذا مؤلم؟ العلة كامنة بأن التفكّر تحطيم مقلِق؟بايرون يقول: حزن هي المعرفة.

لكن لماذا تعذّب عقلك المسكين بكل هذا؟ لما لا تأتي بجانبي ونجلس تحت أوراق الصنوبر؟
google-playkhamsatmostaqltradent