الحرير/
بقلم : كمال فتاح حيدر
ما سوف تقرأه هنا لا يسر عدو ولا صديق، لأنه يحمل من المفارقات السيساوية المثيرة للدهشة ما لا يخطر على بال فقهاء القانون الدولي. ولكي أتوخى الحيادية في الطرح واضعك في الصورة، اسمح لي الآن بمغادرة معبر (رفح) مؤقتاً والتوجه نحو معبر (طريبيل) على الحدود العراقية الاردنية، حيث تتدفق الشاحنات القادمة والمغادرة بين البلدين المتجاورين من دون ان تتدخل الحكومة التنزانية أو الاسبانية في شؤون البلدين، ومن دون ان يتحكم أي طرف خارجي بقوافل الشاحنات. فما بالك لو ان الحكومة البرازيلية فرضت سلطتها بالقوة على معبر طريبيل ؟، وطالبت الحكومة العراقية بتزويدها باعداد الشاحنات وحمولاتها، ومن ثم الحصول من البرازيل على الإذن الرسمي ؟. وكيف سيكون شعورك لما ترى البرازيل هي التي لها الحق في إصدار تصريحات الدخول والخروج من والى العراق عن طريق طريبيل ؟. فهل تخطر ببالك مثل هذه السياقات الغريبة ؟. وهل يمكن ان تتحكم دولة الكويت في يوم من الأيام بالجسر الرابط بين البحرين والسعودية، أو بين اي دولتين متجاورتين ؟. بالطبع كلا، ومستحيل، ولا يمكنها ذلك، لأن هذه التوقعات تقع برمتها خارج التوقعات، وغير واردة في منطق العلاقات الدبلوماسية، لكن واقع الحال غير ذلك تماما. وحقيقة الأمر ان معبر (رفح) بين غزة وجمهورية مصر العربية غير مسموح له بالعمل إلا بموافقة حكومة خسرائيل وبإشرافها وتحت سيطرتها. فقد ابرمت جمهورية مصر العربية اتفاقية ثنائية مع خسرائيل عام 2005 تنازلت بموجبها عن حقها في تنظيم حركة التبادل التجاري مع قطاع غزة عبر هذا المعبر. وبات من واجب القاهرة اشعار الادارة العليا في تل ابيب باعداد الشاحنات وارقامها وحمولاتها وكمياتها، وانتظار موافقتها قبل السماح لها باجتياز المعبر نحو قطاع غزة. والدليل على ذلك ان الحكومة المصرية كانت من ضمن البلدان التي طالبت بفتح المعبر وكأن المعبر لا يقع في أراضيها. والاغرب من ذلك انها آثرت الصمت والسكوت عندما هجمت الطائرات الخسرائيلية على المعبر، وقصفته بالصواريخ في غارات متتالية من دون ان تنبس مصر ببنت شفة، ومن دون ان تحتج أو تمتعض أو تتذمر أو تخجل من نفسها. .