الحرير/
بقلم/حسين الذكر
لقد كانت روديسا 1966 وجنوب افريقيا 1977 باكورة العقوبات الدولية من مجلس الامن لدواع عنصرية وكلتاهما عوقبا بالخناق الاقتصادي . بعد ذاك شهدت الدول عقوبات متعددة واشهرها الحصار الظالم على العراق وقد طال الشعب فيما فلتت السلطات عبر إجراءات وطرق متعددة . وقد اثبتت بعض العقوبات فشلها لان الحكومات سيما المركزية منها تفلت من الرقابة بطرق شتى .. وهذه احد اهم مزايا العقوبات الاقتصادية غير المجدية التي يشكل رفعها اصعب من فرضها وتنفيذها .
ذلك ما اشارت اليه د . مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية الأسبق التي اذهلني تناولها للاحداث وامكانياتها اللغوية والوعي العام والتخصص السياسي والدبلوماسي والاكاديمي الذي تعمل فيه .. وقد قرات لها كتاب : ( مذكرة الى الرئيس المنتخب ) تحاول فيه إعادة سمعة أمريكا المفقودة .. كتبته برؤية شاملة وبفكر معمق واعي مطلع على اغلب الخفايا فضلا عن أسلوب عصية على غيرها ..
تضيف اولبرايت : ( اساءة احدهم تؤدي الى معاقبته كما يكافئ الملتزم بالتوجيهات .. هذا نظريا الا ان الواقع لا يتعايش نظريا .. ) تضرب مثلا في اسرتها : ( كن بناتي صغيرات ولا يتوخين الحذر على المائدة بعدم اراق الحليب وقد هددتهن بالحرمان من متابعة التلفاز .. حينما اريق الحليب اطفات التلفاز فيما كان بدل ذلك ان أقوم ببعض الاعمال من قبيل التحكم في نوبات الغضب وقراءة القصص وتهدئة النشاط المفرط عند الفتيات وحثهن على النوم .. وعندما اريق الحليب في المرة الثانية لم افعل شيء سوى تناولت الفوطة ونظفته بصمت ) .
أيام حكمه اصدر كلنتون امرا بفرض عقوبات على السودان لانتهاك حقوق الانسان لكن شجرة السنط التي تستخرج منها مادة نسغ النبات المستخدمة بأدوات التجميل والمفرقعات وما تحتاجه الصناعة في نيوجرسي جعلت عضو الكونغرس يتصل بي باكرا على غير المعتاد يطلب استثناء النسغ من العقوبات وقد حصل ذلك لاحقا .. وحينما سالته كيف تطالب باستثناء في السودان فيما تشدد على كوبا ، فاجاب : ( انها المصالح والاعمال ) . بعد سنوات وفي عهد بوش الابن خطط لفرض مزيد العقوبات على السودان .. وقد جاء الرد من السفير السوداني في نيويورك الذي عقد متمرا صحفيا معلنا فيه ان السودان ستمنع تصدير النسغ لامريكا اذا اعلن الحظر .. واذا به يهددنا بذات الهراوة التي كنا نهدد بها ).
مؤخرا أصبحت العقوبات تركز على الحسابات المصرفية ومنع سفر القيادات بشكل فعال .. ثم تذكر للرئيس جملة من الخيارات المتاحة لادارة ملف العقوبات : ( امامك الدبلوماسية والخطابات والمعونة الخارجية والمنظمات الدولية والعقوبات الاقتصادية ، والاستخبارات ... كلها متاحة بين يديك ولن يتحدد مقياس قيادتك بانتقاء الأداة بل ما هو ائتلاف العقوبات الذي تتخذه والتوقيت الذي تعلنه وما هي التعديلات بعد اشهر وكلها مترابطة وتاثر احدها بالاخرى لتكون اكثر فاعلية ) .
الوعود الكثيرة المتعددة والمتنوعة داخليا وخارجيا ستخلق زحمة خانقة للكونغرس لا تتيح له التعامل ومراقبة جميع الوعود .. وقد كان الرئيس كولديج لا يتحدث كثيرا .. لكنه نصح : ( اذا رايت عشرة مشاكل قادمة يمكنك الوثوق بان تسع منها ستقع في الخندق قبل صولها لك وعليك ان تتهيا لمواجهة واحدة منها )..
القرارات الجيدة تبدا بمعلومات جيدة ... لكن جمع البيانات هو الأهم .. فنحن نعيش محاطين بالاحصاءات وتعدد الاراء والاشاعات وكل منا يستطيع الوصول الى وسائل الاعلام . والانترنيت والإفادة من تقارير الاستخبارات والسفارات... المشكلة هنا امام كم المعلومات تتمثل بشعبتين الأولى كيفية تدبير المدخلات بحيث تعرف ما تحتاج دون ان تنقاد وتنغمر بها .. والثانية كيفية التمييز بين الحقائق والأكاذيب وكذا الوقائع التي انتهى تاريخ صلاحيتها . فالاولويات والاهمية تتغير تبع ذلك . ثم تضيف : ( في الجامعة كنت انتقد المسؤولين لفشلهم باتخاذ قرارات مثالية وعندما أصبحت مسؤولة نتقدت من قبل اخرين لعدم فعل ذلك. ثمة فجوة هائلة بين المُنظّر أيا تكن حنكته والممارس .. فالمناصب سيما العليا منها معقدة .. وانصح هنا ببعض العادات المفيدة التي ذكرها رتشارد نيوستادت : ( مركزية القيادة الشخصية ، وتعمد الحصول على التفاصيل ، والمناقشات الشديدة للبدائل ، والميل الى عدم حسم الخيارات مسبقا ، وأخيرا المراقبة الوثيقة لانجاز العمل ) .