الحرير/
بقلم/د.محمد العبادي
في الظروف الطبيعية وعندما لاتكون في البين ممارسة للقهر والترهيب تبرز رغبة الأمة الحقيقية بلا تكلّف ،وقد كانت رغبتها مع أهل البيت عليهم السلام .
بعد مضي عشرة أيام من شهر رمضان سنة (60هـ)تدفقت الرسائل إلى الإمام الحسين عليه السلام وهو في مكة تدعوه للقدوم إلى الكوفة .
لقد تراوح عدد الرسائل المرسلة إلى القيادة الإسلامية المتجسدة بالإمام الحسين عليه السلام بين (12) و(40) ألف كتاب حسب أقوال بعض المؤرخين .
هذا الكم الكبير من الكتب والصحف المرسلة للإمام عليه السلام وضع الإمام عليه السلام أمام مسؤولية في قبول الدعوة والتبليغ.
لم يقع الإمام الحسين عليه السلام تحت تأثير تلك الرسائل وذهب بنفسه مباشرة ،وإنما أراد أن يستطلع حقيقة موقفهم من خلال ثقته وابن عمه مسلم بن عقيل عليه السلام.
ذهب مسلم بن عقيل إلى الكوفة ،وكان معه خمسة أشخاص من أهل الكوفة [ من الذين جاؤوا بالرسائل إليه ] ومنهم مسلم بن عوسجة.كانت وظيفة مسلم بن عقيل هي معرفة ماعليه موقف الناس ورغبتهم ومبايعته بيعة سلمية،ولم تكن وظيفته أن يدخل في تصادم مع بني أمية وقتالهم .
في سفر مسلم بن عقيل يقول المؤرخون بأنّه ذهب إلى المدينة ليودع أهله ،ويسترشد بالدليل الذي يعرف المسالك إلى الكوفة،وهذا يعني أنه أمضى في مسيره من مكة إلى المدينة خمسة أيام حسب ماهو معروف من مراحلها أو المسافة بينهما.
بعد ذلك توجه مسلم من المدينة إلى الكوفة ووصلوا إليها في يوم الخامس من شوال ونزل عند مسلم بن عوسجة .
بقي مسلم بن عقيل لأيام في دار مسلم بن عوسجة، ومن ثم إنتقل منها إلى دار المختارالثقفي ، وكان أهل الكوفة يختلفون إليه ويعاودونه في الزيارة وإعلان البيعة والطاعة للإمام الحسين عليه السلام .
كانت هناك عاطفة شديدة عند أهل الكوفة في محبة أهل البيت وقد دفعتهم إلى البيعة،لكن العواطف غير كافية مالم تصحبها معرفة ووعي في مكانة أهل البيت عليهم السلام .
لقد جرفتهم العواطف والحماسيات نحو البيعة التي لم يلتزموا بأخلاقياتها .
كان عامل بني أمية على الكوفة هو نعمان بن بشير الأنصاري،وقد رصد نشاط مسلم بن عقيل ومبايعة الناس للحسين عليه السلام ،لكنه كان ضعيفاً .
أصحاب المصالح ،وأصحاب الهوى الأموي في الكوفة لم يرق لهم موقف الوالي الأموي الدفاعي والمتفرج،فرفعوا رسائلهم إلى يزيد بن معاوية في الشام بضرورة إستبدال هذا الوالي،وعليه فقد إستبدله على وجه السرعة بإبن زياد .
في الفترة مابين يوم خمسة شوال إلى الخامس عشر من ذي القعدة كانت فترة مبايعة وتعبئة سلمية ،لكن عندما جاء ابن زياد إلى الكوفة في العشرة الأخيرة من ذي القعدة سنة 60 هجرية ،وكإجراء إحترازي إنتقل مسلم إلى دار هانيء بن عروة ،وتغيرت الأوضاع في الكوفة بسرعة وتبخرت تلك العاطفة والولاء لأهل البيت عليهم السلام ،ولم يكن لمسلم بن عقيل من ذلك الكم الكبير من الناس الذين بايعوه سوى نفسه .
إنه قائد لايملك نصيباً من الأنصار إلا لمة من الأمة قد مزقتهم يد السلطة فأصبحوا أوزاعاً ،إنّه قائد لأمة فقدت إرادتها ووعيها ونكصت عنه. نعم إنّه قائد لأمة قد شربت من الصهباء ومشى في مفاصلها السكر وبقيت مخدرة تتفرج عليه يوم شهادته في يوم التاسع من ذي الحجة سنة 60هجرية .