الحرير/
بقلم/د.محمد العبادي
إن مقولة الأمن واسعة لاتقتصر على قوة السلاح ونوعيته وكميته،بل تسري إلى جوانب الحياة الأخرى مثل الأمن الصحي والأمن الغذائي والأمن الإجتماعي والأمن المالي وما إلى ذلك .
إنّ إيران تؤمن بمنطوق ومفهوم الآية الكريمة : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ..).وتحاول أن تعيش في أجواء سلمية آمنة من أجل تحقيق التعارف والتعاون بين شعوب ودول المنطقة .
إنّ إيران تعاني من القوى الإنفصالية الكردية في شمالها الغربي ـوالتي تتخذ من الإقليم الكردي العراقي ملاذاً آمناً لها ـ وبناءً عليه فقد تم تبادل الزيارات بين المسؤولين الأمنيين في العراق وإيران وناقشوا التهديدات المشتركة في وجود أحزاب كردية إنفصالية مسلحة، وجرت حوارات عميقة وتفصيلية من أجل الوصول إلى نقاط إلتقاء وتفاهم مشترك .
لقد ذهب السيد قاسم الأعرجي في حينها إلى أربيل ،وعقد لقاء مع (رهبر أحمد )وزير داخلية إقليم كردستان،وذهب الأعرجي أيضاً إلى السليمانية والتقى القيادات الأمنية لمناقشة أمن الحدود مع إيران وآليات العمل لتحقيق الأمن.
لقد عقد أكثر من لقاء أمني مشترك بين العراق وإيران وحضرت القيادات الكردية إلى إيران لمناقشة النشاطات المعادية لها .
كان من نتيجة تلك النقاشات واللقاءات المشتركة أن تم التوقيع على وثيقة تعاون أمني مشترك بين العراق وإيران في يوم 19مايوـ آيار2023م،وقد وقعها عن الجانب العراقي قاسم الأعرجي مستشار الأمن الوطني العراقي ،وعن الجانب الإيراني علي شمخاني مسؤول الأمن القومي الإيراني السابق .
لقد كان من نتيجة تلك التفاهمات بين الجانبين هو تعهد العراق بضبط ومراقبة حدوده ،ونزع سلاح الأحزاب الكردية المعارضة، أو إخراجها من الإقليم أو وضعها في معسكرات لضبط تحركاتها .وعدم السماح لتلك الجماعات الكردية الإنفصالية المسلحة بممارسة نشاطاتها أواستخدام الأراضي العراقية كمنطلق للإرهاب أوتهديد الجارة إيران .وقد ضرب العراق أجلاً معلوماً لذلك حتى سبتمبر(أيلول).
بحسب المعلومات المتوفرة عند الجانب الإيراني ؛فإن القوى الكردية الإنفصالية المسلحة زادت من نشاطاتها وقواعدها في (رابين ،ورانيه ،وكويسنجق ،وبنجوين )،وقد أقاموا حتى قواعد بديلة في حال تم إستهداف مقراتهم الحالية،ولم يعمل العراق أو(الكرد في الإقليم)بتعهداتهم التي قطعوها لإيران؛وأكثر من ذلك فإنّ إيران تقول أن الهجمة التي إستهدفت أمنها وأستقرارها في الأحداث الأخيرة كانت تقوم بها أحزاب كردية معارضة من داخل العراق، مثل(حزب كومله ،وحزب بجاك ،والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني )ولديها وثائق تثبت ذلك .
وبحسب المسؤولين في إيران فإنّ بلادهم تتعرض لهجمة مركبة فبالتوازي مع تلك النشاطات المسلحة للجماعات الكردية ؛يوجد جهد إستخباراتي يعمل من أجل مصالح المحور الصهيوأمريكي ،ناهيك عن مايقوم به الإعلام الكردي من توجيه خطابه إلى الأكراد في داخل إيران وربما في بلدان أخرى حيث يضرب على الوتر القومي الأمر الذي ينسف التعايش السلمي بين القوميات المختلفة فيها.
إنّ مبدأ التعاون ليس مقولة نظرية وإنشائية ،وإنما هو مقولة عملية بين طرفين أو أكثر،ويحتاج إلى إتخاذ خطوات فعلية من خلال الإلتزام بما تم الإتفاق عليه لتحقيق النتائج المرجوة .
جدير بالملاحظة ان الإعلام الآخرلم ينقل المعلومة الصحيحة إلى أتباعه ومستمعيه ،وكان يفتقر إلى الدقة والمسؤولية ،حيث نقلوا عن اللواء باقري رئيس هيئة الأركان الإيرانية كلاماً مبتسراً عن ماقبله ومابعده ومبتوراً عن سياق الأحداث التي تجري في منطقتنا .
الإعلام الذي يحترم متابعيه عليه أن ينقل الحقيقة كما هي بلا مبالغات وحماسيات ومزايدات،لأن الإعلام عبارة عن رسالة وتربية وخُلق وصدق .
في يوم الثلاثاء الماضي الموافق 11/7/2023م عقد قادة الحرس الثوري مؤتمرهم السنوي في مدينة مشهد ،وكان من الطبيعي أن يلقي رئيس هيئة الأركان المشتركة كلمة في ذلك المؤتمر السنوي .
لقد ألقيت في أثناء ذلك التجمهر أكثر من كلمة حيث إستهل اللواء باقري الحديث ،ثم ألقى قائد القوات البرية العميد باكبور كلمته ،وبعد ذلك جاء الدور لقائد الحرس الثوري اللواء سلامي ليدلي بدلوه،وقد كانت كلماتهم متنوعة ومكملة لبعضها البعض .
مايهمنا هو ذلك المقطع الذي قاله رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء باقري حيث قال :( لدينا اليوم علاقات مع معظم دول الجوار ،وقد تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم والإتفاقيات،وبعض تلك الإتفاقيات تطوي مراحلها للتوقيع عليها .
إنّ ثمرة كل تلك الإتفاقيات التي تم توقيعها مع دول الجوار ستكون في صالح تعزيز الأمن والسلام والصداقة فيما بيننا .
إن أساس مذكرات التفاهم فيما بيننا وبين دول الجوار هو الحفاظ على أمن المنطقة من قبل دول المنطقة أنفسهم ،ونقول بصوت واحد لاحاجة لوجود القوى الأجنبية لتأمين أمن المنطقة ،ولامكان للصهاينة في هذه المنطقة .
الوضع الأمني لحدودنا أفضل بكثير مما كان عليه في الماضي .مع الأسف بعض دول الجوار لاتعمل بشكل صحيح فيما يتعلق بمسؤوليتها تجاه الحدود،حيث توجود مجموعات إنفصالية مسلحة تعمل على زعزعة الأمن داخل حدودنا .
من أجل حماية أمن البلاد والحفاظ عليه ،نفذت القوات البرية للحرس الثوري ضربات صاروخية ،وطلعات قتالية للطائرات المسيرة ضد الجماعات المسلحة،وبعد ذلك تعهدت الحكومة العراقية بنزع سلاح هذه الجماعات ومنعها من مزاولة نشطاتها الإرهابية في مدة أقصاها شهر أيلول المقبل .
لقد تعهدت حكومة العراق إلى شهر أيلول /سبتمبر ،وسنصبر على أذى الجماعات المسلحة ،ونأمل أن تعمل حكومة العراق بمسؤوليتها،ولكن إذا إنتهت هذه المدة ،وبقي المسلحين على حالهم أو نفذوا عمليات ضدنا ،فإننا يقيناً سنستأنف عملياتنا ضدهم كراراً وبقوة .)إنتهى الإقتباس .
انا ضد استهداف الأراضي العراقية ،لكن لا أقبل أن تكون أراضينا وبلدنا منطلقاً لإستهداف جيراننا.
ان معنى كلام رئيس هيئة الأركان الإيراني هو أن العراق عليه يتولى مسؤولية الأمن على حدوده وأن تكون له اليد العليا في منع الجماعات المسلحة التي تتخذ من شمال العراق منطلقاً لعملياتها في مهاجمة جيران العراق . إنّه يقول نحن نحترم تعهداتكم بهذا الموضوع ،لكن إذا عجزتم عن نزع سلاحهم أو منعهم عن مهاجمتنا فسنضطر لمهاجمتهم ،لاسيما وأن إيران تشاهدهم يكبرون ويكثرون :
إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا***فماحيلة المضطر إلا ركوبها