الحرير/
ـ إعداد المواطنان الروسيان: الأكاديمي مروان سوداح والأكاديمية يلينا نيدوغينا (الأُردن).
ضمن الحملة العالمية التي بدأتها الدول والشعوب المؤازرة لروسيا ورئيسها الوطني والأُممي الفذ فلاديمير بوتين، سارع الرفيق الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى الإعلان عن دعمه التام لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، فهو الشخصية العبقرية سياسياً الذي هزم التمرد المسلح، وأحبط محاولات توليد الحرب الأهلية، كما جاء في أنباء "وكالة أنباء تاس" الروسية الرسمية.
الرئيس مادورو لفت انتباه مَن تَعِز عليه مُثل العدالة والحرية وسلام الشعوب والحقيقة في العَالم، إلى تصريحاته المتتالية المؤازِرة لبوتين وروسيا، وضرورة التضامن مع روسيا، وهي تصريحات كانت من أوائل البيانات السياسية التي أدلى بها زعماء دول المَعمورة لمُساندة الرئيس بوتين والشعب الروسي في المحنة الوطنية التي انتهت بسلام وهدوء لصالح روسيا، ولشد أزر روسيا دولياً في شتى الميادين، ولمواجهة التدخلات الغربية التآمرية وإحباطها، وكذلك تلك الانتهازية من خلال بعض قيادات مجموعة "فاغنر" العسكرية، إذ أكد الرفيق مادورو في الذكرى 202 لمعركة كارابوبو والنصر الفنزويلي على الجيش الاستعماري الإسباني، التالي: "أود أن أنقل من ساحة معركة كارابوبو، مهد الحرية في أمريكا الجنوبية، تضامننا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ودعمنا له، فهو الذي أحبط الخيانة، ومنع اندلاع حرب أهلية".
وأضاف الرئيس مادورو باسمه واسم دولة فنزويلا وشعبه في مساندته لروسيا العظيمة: "مِن فنزويلا نُعرب عن دعمنا الكامل للرئيس فلاديمير بوتين شقيق فنزويلا".
في كلمات الرئيس مادورو، نلمس بجلاء روحية عمُيقة وسِعة في المحبة والإخلاص التي يَكنُّها مادورو وبلاده والشعب الفنزويلي للحليف الروسي، والدولة الروسية، وقائد روسيا – بوتين الذي أنقذ البلاد الروسية والأمة الروسية ومستقبلهما من حرب أهلية كادت تُطيح بالأخضر واليابس، ذلك أن الغرب الجماعي، الذي افتضح أمره ومؤامراته الأخيرة، هو الذي كان وراء محاولة الانقلاب على روسيا ورئيسها بوتين بغية تخريب الدولة الروسية الفولاذية في أركانها والتي لم يَقوَ عليها أحد عبر كل تاريخها المُضيء، فالعدو الاستعماري - الدولي يرغب في النيل من روسيا، لكنه في كل مرة يفشل أمام صلابة القيادة السياسية الروسية والشعب الروسي المتماسك. ولذلك، نرى أن هذا العدو خاسر ومُنهزم في كل نقلاته السياسية، ولم ولن يتمكن من إضعاف حكومة روسيا وشأوها العالي والعظيم على صعيد البسيطة كلها، فالغرب السياسي الجماعي وأتباعه يضعون مسبقاً وبلا توقف سيناريوهات حقيرة لمخططات انقلابية في روسيا وغيرها من البلدان، يتم تعديلها بين حين وآخر، وهو يتطلع بكل وقاحة وعلانية إلى محو روسيا والتخلص منها، ليتفرغ الغرب برمته لمحاصرة بلدان العالم الضعيفة واحتلالها، والتصرف بسهولة بخيراتها المختلفة بعد سرقتها، وفي اعتراف رهط من وسائل الإعلام الغربية بمساندة سرية لرئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين تأكيداً على كل ذلك، إذ تقبَّل رئيس فاغنر سريعاً اقتراحاً باستدعائه لجمهورية بيلاروسيا بطلب من رئيسها النابه ألكسندر لوكاشينكو، الذي يشتهر بمواقفه المبدئية المتقدمة، وحِرصه الأعمق على ثبات تحالف بيلاروسيا مع روسيا بوتين، ذلك أن الشعبين الروسي والبيلوروسي هما شعب واحد، وأمة واحدة منذ ولادة الزمن، ولكونهما من أرُومة واحدة عَبر كل التاريخ السابق والحالي، وسيبقى الشعبان في أُخوَّةٍ وتآزرٍ على مدى الدهور، ذلك أن أَرُّومَتِهمَا الواحدة متجانسة تماماً منذ تَشَكُّل الدولة الروسية وشقيقتها البيلوروسية، وهي كذلك لغتهما المتقاربة جداً والمتلاصقة، وحضارتهما التوأم.
الصلات الحميمة بين موسكو وكاراكاس
وعودة للصِلات الحميمة التي تربط ما بين موسكو وكاراكاس، نلاحظ عُمقها، وتفاهم الدولتين في كل نقلاتهما السياسية، وبخاصة التواصل بين الزعيمين بوتين ومادورو، اللذين سبق لهما وأن تناولا المشاريع المشتركة لبلديهما في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة، ومكافحة وباء كورونا، وعزمهما الثابت على مواصلة التعاون الوثيق في العلاقات الدولية وتكثيف الاتصالات المتبادلة، ونقرأ على وجه الخصوص عن تجديد بوتين في وقت سابق من هذا العام عزمه على تواصل دعمه لجهود الإدارة الفنزويلية، لتعزيز سيادتها وضمان التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وبحث كل ما يتعلق بالعلاقات الثنائية والمشاريع المشتركة وازدهارها، وجاء في بيان سابق لافت للانتباه، أن الزعيمين تناولا المشاريع المشتركة في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة بين البلدين، ومكافحة وباء كورونا، وتأكيد الجانبين على عزمهما مواصلة التعاون الوثيق في العلاقات الدولية وتكثيف الاتصالات المتبادلة، وعلى وجه الخصوص، جدَّدَ بوتين دعمه لجهود الإدارة الفنزويلية لتعزيز سيادتها وضمان التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد الفنزويلية الحليفة لروسيا.
وفي حقيقة الأمور و وقائع العلاقات المشتركة بين روسيا وفنزويلا، نلاحظ بأنها ليست مجرد علاقات عابرة، بل هي عميقة الجذور والتاريخ وفي التفاهم المشترك، لذلك تقف روسيا موقف الأخ المساند لفنزويلا في مواجهة حملات الأمريكية ضدها، وهو ما تؤكده مسيرة وطبيعة النقلات الأمريكية للإدارات المتعاقبة للبيت الأبيض التي تعمل على تصفية النفس التقدمي والإستقلالية الوطنية لفنزويلا وغيرها من الدول المستقلة عن الهيمنة الأمريكية، فواشنطن تسير في ذات المنهاج والسلوك القديم الذي ولدت في أحضانه، والذي يُلاَحَظ بأنه يعمل على تدمير الدول المستقلة، ويُسارع إلى التعاطي العسكري والاحتلالي سياسياً أيضاً مع الدول التي لا تذعن لهراوة واشنطن تجاه الجول الضعيفة التي تسميها أمريكا على شاكلتها بـِ"المارقة"، ويُسميها كذلك الغرب السائر في طريق العم سام ـ العجوز والمتهالك، وبرغم كل ذلك تجهد أمريكا لوقف مواتها من خلال منح صكوك غفران ومبايعة لمَن يلتحق بصورة عمياء بالأمريكي والغربي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وحضارياً، بشرط أن يقبل ربطه بالأصفاد الفولاذية وبالعجلة الأمريكية. ومَن لا يرضخ يكون مصيرة التلويح له بالعصا الحديدية الأمريكية دون الجزرة!، إذ تسعى أمريكا للتخلص من النفوذ والدور الروسي في البلدان المستقلة والوطنية، من خلال تدمير البُنية الروسية، والبناء الروسي في تلك البلدان، ويَطال تلكم النهج سياسة الاستثمار الاقتصادي والمالي الأمريكية في أقطار كانت تاريخياً في المحور الاشتراكي المناهض للإمبريالية الأمريكية وسياستها التوسعية في الرياح الأربع للدنيا.
روسيا واستثمارتها الاقتصادية في فنزويلا
نقرأ في تاريخ وعلاقات البلدين روسيا وفنزويلا بأنها تطورت في ميادين غاية في التنوع منذ سنوات طويلة إبَّان حكم الزعيم الراحل هوغو تشافيز، حيث قدَّمت موسكو لكراكاس قروضا بقيمة 17 مليار دولار أمريكي خلال السنوات العشر الأخيرة، فبالرغم من المحاولات الأمريكية المختلفة لإسقاط الحكم البوليفاري الاشتراكي في فنزويلا، بقيت موسكو على ثقة كبيرة بشريكها الفنزويلي، واليوم تواجه فنزويلا سيناريو مشابه لسيناريوهات أمريكية مدبرة كانت ضد النظام خلال عهد تشافيز ومادورو.
و وفقاً لمصادر وحسابات دولية أجريت مؤخراً عن 10 سنوات من العلاقات الاقتصادية بين البلدين، قدَّمت الحكومة الروسية وشركة "روسنفط" قروضا وهبات بقيمة 17 مليار دولار أمريكي لفنزويلا، حيث تسلمت شركة النفط الفنزويلية من "روسنفط" مبلغ 6 مليار دولار أمريكي كدفعة أولية وعلى دفعات.
واستناداً لبيانات وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فإن الاستثمارات الروسية الحالية في فنزويلا تعد من الأضخم، حيث تصل لحوالي 5 مليار دولار أمريكي وهي في ازدياد مستمر، والجزء الأكبر منها يعود لشركة النفط الروسية "روسنفط". بالإضافة إلى استثمارات أخرى وبمجالات متجددة تضاف إلى المجموع العام، وأبرزها استثمارات لمصرف "غازبروم بنك" وفروعه الفنزويلية وتقدر بحوالي 300 مليون دولار، واستثمارات لشركة "كاماز" للأليات والسيارات والتي تقوم بانتاج حافلات في فنزويلا، ويُقدَّر المشروع الإجمالي بقيمة 22 مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى استثمارات في حقول النفط الفنزويلية، كما ارتفع التبادل التجاري بين الدولتين بين سنتي 2017 و 2018 إلى نسبة 48% وقُدِّر بحوالي 84 مليون دولار أمريكي، وبلغ التصدير الروسي لفنزويلا حوالي 84 مليون دولار مقابل 800 ألف دولار لفنزويلا.
أمَّا في الجانب العسكري، يعتمد الجيش الفنزويلي عموماً على التسليح الروسي في كل القطاعات العسكرية، بدءاً بالأسلحة الفردية والرشاشة، وصولاً إلى المدرعات والطائرات والسفن. زد على ذلك الاستثمارات العسكرية وأخرها بناء مركزين للمروحيات العسكرية ومصنع لرشاشات كلاشينكوف الشهيرة الذي سيتم بناءه عام 2019.
كما افتتحت روسيا في فنزويلا مَجْمَع الأجهزة والبرمجيات الروسية "الغرافيت"، التي تسمح بتخزين المعلومات حول حالة التسلح والمعدات العسكرية وإخطار القيادة العسكرية حول المشاكل في الوقت الحقيقي.
كما شهدت فنزويلا حدثاً هاماً خلال عام 2018 وهو توجّه طائرتين من طراز "تو-160" إلى فنزويلا في رحلة تدريبية روتينية، ما أعطى إشارات واضحة لمدى التعاون العسكري الروسي الفنزويلي، وإمكانية ظهور قاعدة عسكرية روسية في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.
روسيا والاصلاحات في فنزويلا
تعمل روسيا منذ سنوات طويلة على مساعدة ومساندة فنزويلا من خلال تقديم اقتراحات اقتصادية تساعد الأخيرة لاستحداث آليات للخروج من دوامة الأزمة الاقتصادية، خصوصاً أن كراكاس تعتمد على النفط كمصدر أساسي، ومع انخفاض الأسعار تحاول روسيا وشريكتها فنزويلا ايجاد مجالات اقتصادية أخرى للاستثمار الواسع وفقاً لمتطلبات الأسواق الدولية.
كما شرعت موسكو بإعادة هيكلة الدَّين الفنزويلي الذي يُخفف قليلاً مِن عِبء الضغوط المالية، والذي يأتي ضمن الخطة المُقرَّة لتحسين الاقتصاد الفنزويلي.
أخيراً، تُعتبر فنزويلا شريكاً مهماً وأساسياً لروسيا في قارة أمريكا اللاتينية، حيث ما أن يشمل وحدة البلدين وتماثلهما سياسياً وفكرياً هو أكثر من مُجرَّد عقود واستثمارات واتفاقات عسكرية وتبادل ثقافي وتجاري، فالتاريخ، والمفاهيم، والمشتركات الاستراتيجية والتقارب الإنساني هي التي ترص وتجمع الدولتين، وتجعل الصداقة أمتن بين شعبي البلدين، ولهذا تقف روسيا - بوتين اليوم أمام الأطماع الغربية والأمريكية في الشقيقة فنزويلا، وتساند شعباً بأكثريته يدين بالولاء لمادورو الذي بدوره يحاول استنهاض بلاده والسير بها على خطى هوغو تشافيز الراحل رحمه الله.
.. انتهى..
.