الحرير/
بقلم : د. كمال فتاح حيدر
يصعب تخيل صورة هذا الثور بقرونه الألفية (40000 قرناً) لا في أفلام كارتون. ولا في روايات الخيال العلمي. ليست المشكلة في قرونه، وإنما بوظيفته التي تحتم عليه تحمل وزن الأرض واثقالها، ولا أدري من اين جاء ابن تيمية وتلاميذه بحكاية هذا الثور الكوني المكلف بحمل الأرض ومن عليها. فقد ورد على لسان ابن أبي نجيح، عن ابراهيم بن ابي بكر عن مجاهد، قال: كان يُقال: ان (النون) هو الحوت الذي تحت الأرض السابعة. ويقصد بالنون: حرف (ن) في سورة القلم. وهذا يعني ان جماعة ابن تيمية الذين ورد ذكرهم هنا أقحموا أنفسهم في علم الجيولوجيا على الرغم من جهلهم به، وزعموا انهم اكتشفوا هذا الثور الخرافي العملاق، وتوصلوا أيضاً إلى وجود حوت يعمل مع الثور في البيئة نفسها، وهذا الحوت يكمن تحت طبقات الارض، والتي يرون انها كانت سبع طبقات !؟!. .
وعلى السياق نفسه يقول ابن القيم في المنار المنيف (ص 76) في ذكر علامات الوضع: أن يكون الحديث مما تشهد الشواهد الصحيحة على بطلانه، ومن هذا حديث: (إن الأرض تستقر على صخرة، والصخرة تستقر على قرن ثور، فإذا حرّك الثور قرنه تحركت الصخرة، فتحركت الأرض، عندئذ يحدث الزلزال). بمعنى ان الهزات الأرضية التي ضربت هضبة الأناضول في تركيا، ثم زحفت إلى سوريا قبل بضعة أسابيع تعزا إلى تحرك الصخرة التي تستقر عليها الأرض المرتكزة فوق قرن الثور، وربما نطحها الثور بقرنه، فانهارت الطبقات كلها مثلما تتساقط قطع الدومينو، فاهتزت المدن وتهدمت المنازل والبنايات. .
وأعاد (البغوي) الرواية نفسها، فقال: ان على ظهر الحوت صخرة سميكة بحجم السماوات والارض، وعلى ظهرها ثور له أربعون ألف قرن، وعلى متنه الطبقات الأرضية السبع وما فيهن وما بينهن. .
وجاء في تفسير القرطبي ج 11، ص 169: (الأرض على نون، والنون على البحر، وأن طرفي النون رأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء، والصخرة على قرن ثور). .
اللافت للنظر ان هذه الخرافات تشترك في نقلها المرويات السنية والشيعية على حد سواء، وبنفس الصيغة. . مشكلة هؤلاء انهم آمنوا بالروايات الاسرائيلية العتيقة، ونقلوها إلينا، وكانوا مقتنعين بها عبر القرون، حتى وصلنا إلى اليوم الذي أثبتت فيه العلوم كذبها وبطلانها، ومع ذلك هنالك من يؤمن بتلك الخرافات، ويذود عنها، ويحسبها من الموروثات المقدسة. .
لا شك ان العقول المتحجرة التي توارثت هذه الخرافات هي التي أعلنت الحرب على كبار العلماء، وهي التي كفّرت الخوارزمي والبيروني والكندي وابن سيناء وابن الهيثم والفراهيدي، واتهمتهم بالزندقة، وهي التي تسببت في تخلفنا وتقهقرنا وتراجعنا. .