الحرير/
بقلم/المحامي علاء صابر الموسوي.
يكون الايمان بالله ، والتوجه إليه ، وامتلاء النفس بحبه ، ورضاها بالحياة والتوافق مع إرادته هو الطريق الى توفير السعادة ، والشعور بالطمأنينة ، وامتلاء الوجدان بالحب والإحساس بجمال الحياة ، وإحداث حالة من الانسجام بين أحاسيس الإنسان الباطنية وبين أهدافه التي يسعى نحوها في الحياة .
ومن هنا كان الإيمان بالله حاجة فطرية نفسية ، لاتُغنى رحلة الإنسان إلا بها .
هذا الإنسان الباحث عن السعادة والشعور بالأمن وبالرضى ، والمتلهف لانهاء عذاب النفس ، واقتلاع جذور الخوف ، والقلق ، والتحرر منهما ، فالخوف كما يقول علماء النفس!! الخوف من الخطر ، والخوف من المجهول ، والخوف من الضياع ، والخوف من الهجر والترك ، والخوف من الحاجة والفقر ، والخوف من الفناء وضياع الحياة ، وغير ذلك من أنواع الخوف هو سر مأساة الإنسان ومصدر شقائه .
وصدق الله العظيم حيث يقول :
(( وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدانٍ ولا أخاف ماتشركون به إلا أن يشاء ربي وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف اخاف ما أشركتم ولاتخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أخق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنو ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )) الانعام / ٨٠- ٨١- ٨٢ .
وكم كان دقيقا ، وعميقا قول الإمام علي عليه السلام وهو يعبر عن هذه الحقيقة ، ويصوغها قانونا وقاعدة نفسية للحياة حين قال:
فالشعور بالأمن والطمأنينة والاستقرار اذاً هو أول إشعاعات الإيمان في النفس ، والسعادة والرضا بالحياة هي أولى ثمرات هذه المشاعر التي يزرعها الدين في النفس الإنسانية ، وتنضجها نفحات الإيمان في وجدان الفرد .
وهكذا يوفر الاسلام العوامل الأساسية في صنع السعادة عندما يوفر للفرد :
١- الأمن الباطنٍ والسلام الاجتماعي .. قال تعالى :
(( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ....)) المائدة / ١٦ .
٢-تنمية ملكات الخير والتطابق مع مبدأ الكمال والاتجاه إلى الله مصدر هذا الكمال ومنبعه .
٣- التدقيق بين المحيط ونوازع الفطرة الذاتية ، بالحفاظ على نظام الفطرة والتطابق معها .
لذا كان سعي الإنسان متواترا لتوفير الأمن والطمأنينة ، والاحساس بالرضى والقبول ، وإحداث توافق وانسجام نفسي وتشريعي لإيجاد التطابق بين صورة الذات الباطنية للإنسان المؤمن ، وبين صيغة الحياة والمجتمع الخارجية .
ولذا أيضا كان اهتمام الإسلام وسعيه حثيثا في الحفاظ على نظام الفطرة ، وحمايتها من الانحراف ، وتوجيهها وفق منهج الله المستقيم ، ليحقق للإنسان السعادة ، ويحل مشكلته ، وأزمته النفسية والأخلاقية ... مبتدئاً بتطهيره لباطن الذات ، وتنقيتها من نوازع الشر والعدوان ، وتنميته لملكات الخير والاستقامة فيها ، كالحب والعطف والحنان والعدل والايثار والطمأنينة والرضا والتفائل والصدق والأمانة ...الخ ، إلى جانب اهتمامه باقتلاع عوامل الاتجاه السلبي كالحقد ، والأنانية ، والخوف واليأس ، والعدوان والجبن والخداع ..
كل ذلك من أجل إقرار موازنة الحركة النفسية ، والحفاظ على سلامة البناء النفسي والأخلاقي الذي هو منطلق التحرك السلوكي ، وقوة الدفع الحضاري ...
فصيغة السلوك والحضارة التي يجسدها الإنسان هي صورة الوضع والحركة النفسية لديه ...فكل حركة ، ولبنة في بناء الحضارة والحياة ، هي تعبير عن محتوى النفس ، ونوازع الذات العميقة ، وملكاتها الأخلاقية الراسخة ، وصدق الله القائل :
(( قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ً)) الاسراء / ٨٤ .