recent
أخبار ساخنة

الامراض النفسية وأثرها في الصحة الجسمية (ج٢)

الحرير/
بقلم/المحامي علاء صابر الموسوي
قال الرسول الكريم محمد صل الله عليه وآله وسلم : ( من ساء خُلُقه عٓذب نفسه ) ، ان تعذيب النفس ليس في الآخرة وحسب ، بل وفي عذاب القلق ووخزات الضمير ، من الهم والغم والكآبة والحزن وحالات الأنانية والغيرة والحسد التي تنهش أعماق النفس وتصلي المصاب بها بجحيم دائم .
وقد أحسن الامام علي عليه السلام تصوير الحالة النفسية للإنسان الحسود ، وهو الاناني الذي لايريد الخير للآخرين ، ويؤلمه أن يرى تفوق الآخرين عليه ويتمنى ويسعى لتجريدهم وحرمانهم مما هم فيه من خير فيعيش في حقد وكراهية ورغبة بالانتقام ، الذي كثيرا ما يتحول إلى حالات قتل أو تآمر ، أو وشاية بالآخرين ، أو نيل من كرامتهم وسعي لاسقاطهم .
الدراسات النفسية تفيد فشل الأنظمة الاجتماعية والمناهج التربوية ونظريات تنظيم السلوك البشري في علاج الأمراض النفسية وإنقاذ الإنسان منها ، بل وتشهد التقارير والإحصاءات بتزايد الإصابة بالأمراض النفسية ، وفقدان الصحة النفسية نتيجة الحياة المادية المضطربة والمقلقة للإنسان ، فالارهاب السياسي بسبب الخلاف الفكري أو السياسي ، أو تسلط الحكم الدكتاتوري ، وفقدان أمن الأفراد والجماعات في معظم دول العالم هو المأساة البشرية السائدة ، والخوف من الحروب والنزاعات ، وعدم الطمأنينة على الحاضر والمستقبل ، والقلق  من تدهور الوضع المعاشي ، والاحساس بفقدان معنى  الحياة واليأس من قدرة المكاسب المادية ، وفقدان الرضا والانسجام بين الناس والمحيط ، وتمزق أوضاع الأسرة ، وفقدان الحب والعطف والحنان ، وانتشار التشرد والضياع ، والاحساس باحتقار الشخصية ، وعدم وجود من يعتني بالإنسان المشرد ، فهذه الحالات كلها أصبحت من مشاكل العصر ،وافرازات الحضارة المادية التي جلبت للإنسان الويلات ، وتسببت بنشر الأمراض والعقد النفسية التي افقدت الإنسان طعم الحياة والسعادة ،
وليس أمام الإنسان من ملجأ ولا مخلص غير الإسلام الذي استوعب منهاجه حماية النفس وتحصينها من الأمراض النفسية بالإيمان بالله سبحانه وبعالم الآخرة ، والعمل على تزكية النفس وتطهيرها من الحقد والأنانية ، وحمايتها من الخوف والقلق ، بتسليم الأمر إلى الله سبحانه ، والرضا بقضائه وقدره عندما يواجه الحالات النفسية غير الطبيعية ، وبتحصين النفس من الإصابة بالمرض النفسي بالتربية وتوفير الأجواء الأسرية والاجتماعية  والسياسية والقانونية التي توفر للإنسان الطمأنينة والحب والاحترام لشخصيته والرعاية له ، والاساس العلمي الذي ينطلق منه المنهج الإسلامي في حماية النفس من العقد والأمراض النفسية هو الإيمان بأن الفطرة البشرية فطرة نقية سليمة من العقد والأمراض النفسية ، قال تعالى :
( فطرة اللهٍ التي فٓطٓرٓ الناسٓ عليها لاتبديلٓ لخلقٍ اللهٍ ذلك  الدينُ القيمُ ولكن أكثرٓ الناسٍ لايعلمون ) الروم / ٣٠ ...
وان الصحة النفسية تتمثل بالحفاظ على هذه الفطرة وحمايتها من التلوث والانحراف بتعهدها بالتربية الأخلاقية ، وتوفير البيئة والمناخ الاجتماعي الذي يساعد نقاء الفطرة وسلامتها على النمو والتكامل بعيدا عن الانحراف والشذوذ ، بعد أن حرم إخافة الإنسان واحتقار شخصيته ، ودعا الوالدين وأفراد الأسرة والمجتمع إلى الحب والتعاون واحترام الآخرين ، واوجب توفير الأمن السياسي والمعاشي ، وشاد في النفس عقيدة اللجوء إلى الله والاستعانة به ، وبذلك بتحرر الإنسان من عقدة الخوف والاحتقار والأنانية .
والمبدأ الآخر من مباديء صيانة النفس من الأمراض النفسية هو الإيمان بعالم الآخرة وبفناء الاشياء جميعها ، وخلود الخير والعمل الصالح ليكون أساس الجزاء والنعيم ، فتستقر النفس وتطمئن بعيدا عن القلق والخوف ، عدو الإنسان وسبب شقائه وعذاب نفسه في الحياة.
آيات القرآن الكريم المباركة  تقدم تحليل لمعنى الحياة والموت لتوعية الإنسان ، وتكوين فهم سليم للحياة ، وعلاقة سليمة معها ، فصورتها بدقة حسية قريبة  الإدراك من فهم الإنسان ووعيه ، لاستئصال مناشيء القلق والشقاء النفسي المتركز في خوف الإنسان من أن تفوته الأشياء تضيع منه ، وفي خوفه مما يتوقع حدوثه ،ومما وقع عليه ، وكما يشرح له حقيقة الحياة ويشبهها بحياة الزرع ، ويدعوه إلى أن لايخضع للخوف من ضياع مكاسب الحياة والقلق عليها ، فكل شيء مقٓدر ويسير وفق قدر ، يوضح له أيضا أن اللجوء إلى الله هو مفتاح السعادة والطمأنينة ، ليرتبط بالله بعيدا عن القلق ،فيخاطبه بقوله :
( الذين آمنو وتطمئن قُلُوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد / ٢٨ .
google-playkhamsatmostaqltradent