recent
أخبار ساخنة

الخيار واللوبيا

 


الحرير/

بقلم/سعد عبدالوهاب المناصير

حدثني صديق لي قائلا .. كنت حديث عهد بلعبة الشطرنج ولم يحالفني الحظ في الفوز على من يقابلني فيها ولو لمرة واحدة , وذات يوم جاءني من يطلبني في بيتنا متأبطاً امله بالفوز المؤكد , فأنزويت مع اخي الصغير وطلبت منه ان يجالسنا ونحن نلعب اللعبة ذاتها وعندما يشتد التطاحن ويغلي وطيسها فإني سأحاول اشغال الخصم في بعض الامور المحيطة بنا فاذا ما حصل وان قام بالتفاتة فبادر على الفور بسرقة آلة من آلات الشطرنج العائدة له , وسنكررها مرة او مرتين مايجعله في موقف ضعيف فأفوز عليه , فأمتعض اخي قائلا .. ولماذا لا تفعلها انت؟ أجبته , لايصح ذلك , فأنا خصمه وإن أحسّ بذلك فسوف تكون هناك فضيحة , اما أنت فليس عليك حرج لانك ليس بخصمه وان محاولتك ستبدو  لتعديل موقع تلك الآلة , وأقنعته بذلك وإني سأشتري له قطعة من الحلويات الفاخرة التي هو يحبها , كل ذلك في سبيل كسر شوكة من يقابلني في هذه اللعبة التي لم أفز فيها ولو لمرة واحدة وهذا ماسيجعلني فخورا بنفسي أمام اصدقائي بفوزي في هذه اللعبة , وبدأت اللعبة واشتد أوار المعركة , وتناثرت الآلات هنا وهناك , عندها همست لصديقي بأن ذاك الباب غير آمن مشيرا بيدي الى باب الصالة الذي كان يقع على جانبه الأيمن , فالتفت صديقي نحو الباب فنفذ شقيقي الصغير جريمته بسرقة احدى الآلات , فصرخت بوجهه قائلا .. اتفقت معك على استراق آلة ولم أقل لك أسرق الملك ... فضحك صديقي وعـَلـَت قهقهاته واصبحت تلك الحادثة من اطرف ماحصل لي وانتشرت سريعا كنكتة لطيفة بين اصدقائنا .

أسوق هذه الديباجة لأمر حصل معي في جلسة خاصة مع جمع من الادباء الذين تنوعت نتاجاتهم مابين الشعر والقصة والرواية , فأخذ احد الشعراء زمام الحديث وتكلم بشئ من العجالة والإيجاز عن رؤيته للشعراء الجدد وتمثيلهم للشعر الحديث الذي ما أنفك في الأبتعاد عن مجرى مفهوم الشعر الذي طالما انشده كبار الشعراء الذين مزجوا فيه شتى الأغراض الشعرية وقد استغل هؤلاء الشعراء الجدد صيحة دخيلة ومستحدثة على الشعر العربي بما يسمى بقصيدة النثر , التي جعلت في كل بيت عدد من الشعراء بعدد أفراد البطاقة التموينية بعدما كانت محافظة او مدينة برمتها لايعد فيها الشعراء إلا بعدد أصابع اليد الواحدة , وأضاف بأن اهم مايميز الشعر الجاد أو القصيدة هو الصورة الشعرية التي تحاكي الوجدان وطبيعة الناس والأمور المصاحبة لهم في مجمل نواحي حياتهم , فأخذت زمام الكلام قائلا , بأن  الشاعر لايكون شاعرا إلا من كان يمتلك الموهبة وملكة شعرية مميزة وإلا لا يكون شاعرا ولا الذي يكتبه شعرا مالم يتميز برسم الصورة الشعرية التي تجعلك امام لوحة فنيه صاغتها انامل فنان موهوب له من الأحاسيس السامقة بأجمل معانيها وبمختلف الوانها وفقا لتصوره لما يرى , فلو استذكرنا قصيدة الأطلال للشاعر الطبيب ابراهيم ناجي , فلا أدري كيف كان مزاجه وهو يرسم تلك الصورة الشعرية البارعة في وصف خلجاته , فأي صورة شعرية حينما يقول .. ويد ٍ تمتد نحوي .. كيد ٍ من خلال الموج ِ مـُدت لغريق ... وهكذا لبقية ابيات القصيدة , ثم ما اثقف ام كلثوم وهي تختار ابيات من قصيدة الوداع للشاعر نفسه وتدمجها مع ابيات الأطلال .. 

هل رأى الحب سكارى مثلنا 

كم بنينا من خيال حولنا

ومشينا في طريق مقمر ٍ

تثب الفرحة فيه قبلنا

وضحكنا ضحك طفلين معا 

وعدونا فسبقنا ظلنا


 وهكذا اصبحت وكأنها قصيدة مترابطة الأبعاد ومؤطرة الأركان , وما ان نطقت الكلمة الأخيرة الا وكان أحد المحسوبين على انصاف الشعراء يأخذ طرف الحديث معربا عن إمتعاضه لما سمع , ومقللا من أهمية القصيدة ذاتها , مرجحا اعجابنا بها بسبب غنائها من قبل أم كلثوم , مضيفا أن اغلب الناس ينجرفون نحو الاسماء اللامعة غير واعين لمعنى كلامهم وما يقصدون , فلو رجعنا ( والكلام مايزال لذلك الشاعر ) إلى شعر المتنبي , فلكونه المتنبي , ترى الناس تنظر إلى اسمه قبل شعره , وقد أعجب من تفخيم الإعجاب به فأين الصورة الشعرية , واين الانزياح عندما يقول : ــ


على قدر أهل العزم تأتي العزائم

        وتأتي على قدر الكرام المكــارم

وتعظم في عين الصغير صغارها

        وتصغر في عين العظيم العظائم


فقلت له , يا أخي هذا ديوانك الشعري الخامس الذي أهديتني إياه قبل قليل , هلا اريتنا صورك الشعرية فيه ولأي قصيدة تختارها ؟ واين تكمن الانزياحات التي تحتويها ؟ يا أخي ليس من حقنا أن ننتقد أساتيذنا , لأن ذلك قد يجعلنا نقع في المحظور فأي نقد سلبي ؛ قد يقودنا إلى الإساءة لتأريخهم المشر ّف , وللنقد أصوله وأحيانا قد يسيء الناقد لنفسه , عند وقوعه في المحظور وعليه أن يتحمل نتائجه وتبعياته , وعلينا ان نعي وندرك جيدا بشعر أساتيذنا الذين بشعرهم تاثر الناس بما كتبوا فنتج على إثر ذلك طبقات من الشعراء على مدى الأيام والأزمان , وهنا تذكرت مقولة عادل إمام في مسرحيته الشهيرة ؛ شاهد ما شافشي حاجة .. القرع لما استوى , قال للخيار يالوبيا , وقصة صديقي ولعبة الشطرنج .. مستدركا باننا من حقنا ان ننقد شاعر معاصر لجيلنا وعلينا ان لانتجاوز الخطوط الحمر وأنه باختفاء الملك من لعبة الشطرنج سوف تنتهي اللعبة


                                         ســــــــــعد عبدالوهاب طه

google-playkhamsatmostaqltradent