الحرير/
بقلم/هادي جلو مرعي
طلب إليها أن لاتخرج من الخيمة مهما إشتد الخطب، وكلفها بحماية الشاب المريض الذي كان يتبتل في مكان من تلك الخيمة التي تلعب بها الريح حين تناوشته سيوف المسلمين، كان ذلك هو الحسين الذي عرف إنه يواجه قوما طبع الله على قلوبهم، وإنه مقتول ليكون حدث قتله مناسبة لاتنتهي حتى تنتهي الحياة، وسبيلا لمعرفة الحق.
ما هو السر الذي يدفع رجل كالحسين بمنزلته العظيمة أن يقطع آلاف الأميال من مكة حتى المدينة ومنها الى العراق، ويقطع كل تلك الصحراء؟ هو سر عظيم يثبت إن قضيته عادلة، ولماذا كربلاء، ولماذا التحول الكبير في القرار من مكة الى كربلاء، ولماذا هذا الموت المتبتل والتقطيع المثير للأجساد، وهذه الدراما الإلهية والسيميائية العالية التي تبهت العارفين وتحير ذوي العقول الراجحة.. لايمكن أن يكون هذا الخروج إلا بأمر الله.. لم يلتقط الحسين الإشارة من ربه لأنه لم يكن نبيا، لكنه تلقاها من جده النبي.
يحتفل البعض في الغرب بمهرجان للجنون والعربدة، ويفخر كثير من العراقيين إنهم شاركوا فيه، أو مروا به ويعدونه نوعا من التحرر ودليلا على عظمة أمريكا. وكذلك يفعل البرتغاليون والإسبان والمكسيكيون والفرنسيون وأقوام من البشر في كل مكان.. كل ذلك مباح ومتاح وله قبول كبير فقط يشار للمسلمين بالتخلف عندما تستثار مشاعرهم في ذكرى الحسين.
لايمكن لعلماء المسلمين تكفير المحتفلين حزنا بذكرى الحسين ووصفهم بأهل بدع وضلالات مهما فعلوا… فمايقوم به الناس عادة حتى وإن لم يكن مقبولا دينيا فهو نوع من الإحتفال والطقوس التي تخرج عن كونها عبادة منحرفة يتهم العاملون بها في دينهم لتكون نوعا من إحياء الذكرى وفي جزء منها عبادة وفي جزء هي ممارسة عامة تشبه مايقوم به الناس في أصقاع الأرض المختلفة.
لاتشكيك في قضية الحسين فهي قضية صراع مرير بين سلطة غاشمة وحاكم جهول، وبين رجل قاد أمة مغلوبة على أمرها لتنتصر لنفسها ولتؤسس كيان الرفض للظلم والظالمين، ولو لم يخرج الحسين لكان الإسلام هو مظهر القمع والقتل والترهيب الذي مارسته السلطات طوال قرون من الزمن، ثم تحالفت من خلاله مع جماعات التطرف والتكفير الديني لتقهر الرافضين لظلمها والمطالبين بحقوقها، ففي الغالب أن يتمرد الناس ويقمعهم الحاكم الظالم بمجموعات من المتدينين أيضا بحجة إن هولاء مارقون عن الدين، وهولاء هم من أسس لنظرية باطلة تقول، بطاعة الحاكم فاسقا كان، أم محسنا، ظالما غشوما، أو عادلا منصفا للرعية، فصار شعار المسلمين عن الحاكم هو الله دون أن يعلنوا ذلك، لأن الله حق مطلق وسلطة مطلقة، والحاكم عند المسلمين هو هكذا حاكم مطلق ولايعتريه الباطل.