الأنباط - الأكاديمي مروان سوداح
في مناخ التفاهمات الصينية الروسية العميقة، التي أصبحت حديث الساعة لوسائل الإعلام العالمية، أفرزت تقاطعات بكين وموسكو تنسيقًا على مستوى رفيع بينهما لتبريد الأوضاع الحامية في "الشرق الأوسط". كذلك، سارعت بكين للإعلان على لسان وزير خارجيتها الشهير السيد وانغ يي، خلال زيارته للمملكة العربية السعودية قبل أيام، عن مبادرتها الجديدة واللافتة للانتباه والوازنة، لحل القضايا الإقليمية العالقة في منطقتنا، ولأجل وقف المواجهات العسكرية الحادة والمتواصلة منذ عشرات السنين فيها. فالشرق الأوسط منطقة مهمة للصين، وهي مفتاح سلام العَالم، ولأن الحضارات الشهيرة ظهرت على أرضها، وسَلَكت أصقاعها قوافل طريق الحرير الصيني التاريخي الذي شارك العرب فيه بنشاط متميز. وفي خضم هذا المِضمار، أدلى وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية، السيد وانغ يي، بكلمة تضمّنت خطة جَسورة لحل القضية الفلسطينية وتحقيق "حل الدولتين"، لأجل تمكين قِيم العدالة والإنصاف في "الشرق الأوسط". أكد الوزير أن الصين تدعم جهود الوساطة الحثيثة للمجتمع الدولي بغية تحقيق هذا الهدف. تُدرك الصين جيدًا قضايا منطقتنا، فهي تعمل فيها بحذاقة سياسية وإقتصادية رفيعة المستوى منذ تأسيس الدولة الصينية الحديثة، إذ سبق للرئيس الحكيم شي جين بينغ أن طرح خطة الأربع نقاط الصينية لبلوغ تسوية عادلة وشاملة لقضية فلسطين، وقد أيّدتها الدول العربية ودولة فلسطين تحت الإحتلال، لكن الطرف الإسرائيلي، لم يتجاوب مع الخطة الصينية أبدًا، عِلمًا بأن هذه الخطة تتضمن بنودًا لتسوية دائمة على أساس المقررات الدولية ذات الصّلة. شخصيًا أرى، أن للصين باع طويل في "الشرق الأوسط" والمنطقة العربية، فهي تفهم آمالنا وتتفهم آلامنا وتطلعاتنا تمامًا، لهذا تعز عليها قضايا السلام والأمن في ربوعنا. منذ قيام الدولة الإشتراكية الصينية سَعت بكين إلى إيجاد حل للقضايا الساخنة في "الشرق الأوسط"، موظفةً كل قواها في هذا الإتجاه، والذي يمكن بلوغ مبتغاه من خلال تضامن مختلف الأطراف ذات المصلحة والتواجد في هذه المنطقة التي تتقاطع فيها النوايا والإرادات الدولية. فعَلى أرضها تُشن الحروب، وتَفتَعل بعض الدول الكبرى الأزمات تلو الأزمات في أركانها. ولهذا، يرى وانغ يي، كما يبدو لي، أهمية الوصول إلى نقطة تلاقي بين جميع الأطراف، التي ترى في السلام الكامل والشامل والناجز مصلحة لها في هذه المنطقة الإستراتيجية، إذ أن الانطلاق من الظروف والوقائع الموضوعية، وارتكازًا للنوايا الحسنة، يمكن أن يؤدي بالجميع إلى تحقيق السلام لكل شعوب المنطقة في وقت تَحتَد فيه العلاقات الدولية، وتصبح الصِّلات بين الدول الكبرى كالولايات المتحدة وبعض بلدان "الشرق الأوسط" حادة في لهجتها وتفعيلاتها على الأرض، وقد يؤدي هذا إلى اندلاع لهيب حرب شاملة ماحقة وماسحة للحياة الإنسانية، وهو ما يؤكد أهمية وضرروة تطبيق المبادرة الصينية للسلام في المنطقة بأسرع وقت ممكن، وقبول مختلف الأطراف لها، تجنبًا لكل المآسي التي قد تحدث، ورغبة في نقل النوايا الحالية النازعة صوب الحرب والتي نلمسها حاليًا، إلى نوايا أخرى هي النزوع إلى السلام الشامل والمُكتمل، ولتفعيل التعاون المُتساوي المنفعة لكل الأطراف، وهو مدخل مناسب لجميع أولئك الذين يَنشدون السلام الحقيقي والمصالح الجماعية والمكاسب لكل الدول والأمم صغيرها وكبيرها، فالصين تُنادي يوميًا بتسييد مبدأ المنفعة والربح المشترك للجميع في العلاقات الدولية بين مجموع الدول، وفي نشاطاتها الثنائية أيضًا. نقرأ في مبادرة الرفيق وانغ يي، دعوة جمهورية الصين الشعبية لعقد "مؤتمر دولي يتسم بالمصداقية"، وكذلك يَحرص الجانب الصيني على دفع مراجعة القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي أثناء رئاسته للمجلس في شهر أيار المقبل، بما يُجدّد التأكيد على "حل الدولتين" الذي اتفق عليه العالم ولم يجد تطبيقًا واقعيًا وحقيقيًا للآن على أرض فلسطين التاريخية، بجريرة تلك القوى التوسعية التي ترى القضية الفلسطينية وقضايا الدول المحيطة بفلسطين بعين واحدة، ومن زاوية مصالحها الجهوية فقط، وعلى رأس تلك القوى الولايات المتحدة، التي لم تقم للآن بتفعيل مقرّرات المنظمة الدولية ذات الصِّلة بفلسطين. يقول الرفيق وانغ ويي: نظرًا لأن هنالك قضايا ساخنة كثيرة ومعقدة في "الشرق الأوسط"، من بينها قضايا خطيرة تؤثر على الأمن والاستقرار العالميين، يجب على المجتمع الدولي كصاحب المصلحة، القيام بدور إيجابي في تدعيم الأمن والاستقرار فيها. ويُضيف: في هذا السياق، يحرص الجانب الصيني على طرح المبادرة التي نتمنى لها النجاح، ولشعوب المنطقة السلام والآمان. بدورنا، نتمنى للمبادرة الصينية المهمة للغاية، والتي نشرتها "شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية"، أن تلقى النجاح لدى مختلف عواصم المنطقة والعَالم، وبالذات في تل أبيب الرافضة حتى اللحظة لكل التسويات والمبادرات السلمية، لأن من شأن قبول المبادرة الصينية وقف نزيف الدماء، ووضع حد لعمليات القتل والموت "الأوسطي"، ولرغبتنا بأن تشتهر منطقتنا في عصرنا، كما اشتهرت على مدار التاريخ، بأنها منبع الحضارة والإنسانية والإخاء العالمي وتلاقي المبادىء على محبة بني الإنسان، لا على توليد البغض إتجاهه. *رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.