العنف اسلوب خاطئ وغير حضاري وبجميع حالاته، ولكن للاسف فهو يُتبع في المدارس بوقتنا الحاضر على الرغم من المناداة بحقوق الانسان والطفل وانتشار الاساليب الحديثة في التعامل، العنف له وجهان في مدارسنا، الاول عنف الطلبة واولياء امورهم ضد المعلمين ولاتفه الاسباب، وعنف آخر من المعلمين التربويين ضد الطلبة الذين يعدون امانة في اعناقهم، فهم مسؤولون عن التربية قبل التعليم، مايجري في مدارسنا بحاجة الى متابعة واتخاذ اجراءات بحسب المعنيين.
تصرفات الطلبة
عضو لجنة التربية في مجلس محافظة بغداد عدنان جميل المشهداني يقول:” العنف الذي يتعرض له التلاميذ والطلبة على ايدي مدراء المدارس او المعلمين او المدرسين يحتاج الى دراسة معمقة من قبل مختصين بالشأن التربوي، اذ شهدت الآونة الاخيرة ازدياد حالات التعامل بعنف مع التلاميذ والطلبة، هذا وان من يتحمل مسؤولية ذلك هم الطلبة انفسهم بتصرفاتهم غير المقبولة والمسؤولة، كعدم جلب الكتب معهم الى المدرسة، واهمالهم لدروسهم لانشغالهم بالالعاب الالكترونية او بمواقع التواصل الاجتماعي التي اخذت جل وقتهم”.
ويضيف:”بعض الهيئات التدريسية ترسل في طلب اولياء امور هؤلاء التلاميذ، محاولة اصلاحهم واعادتهم الى الطريق الصحيح لتحقيق نتائج متميزة، ليتمكنوا من قيادة بلدهم في المستقبل، الا ان بعض اولياء الامور يصرون على الاستمرار باهمال ابنائهم، ما يضطر اعضاء الهيئة التعليمية الى اخذ دور الاب في توجيه التلاميذ واللجوء في بعض الاحيان الى ضربهم”.
ويستدرك المشهداني:” استخدام العنف ضد التلاميذ والطلبة يحتاج الى دراسة من قبل مختصين بجميع المراحل الدراسية وعلماء نفس وباحثين وايجاد الحلول اللازمة لاصلاح واقع التعليم والتلاميذ بما يجنبهم الضرب، مؤكداً ان واقع التعليم في العراق هو اشبه بما كان في العصور الوسطى من عدم احترام المدرسين والاعتداء عليهم في بعض الاحيان، رغم وجود قوانين تمنع ذلك وتعاقب مرتكبيه بشدة”.
التسرب نتيجة العنف
نائب رئيس المفوضية العليا لحقوق الانسان علي ميزر الشمري يبين:” المفوضية رصدت حالات اعتداء بالضرب من قبل كوادر تدريسية على تلاميذ وطلبة وتسببت لهم بمشاكل نفسية، مؤكداً ان هذه الحالات كانت هي السبب الرئيس لهروب الطلبة وتسربهم من المدارس، وعليه فان المفوضية كتبت عدة تقارير بهذا الشأن ورفعت للجهات المعنية، ما ادى الى محاسبة بعض الكوادر التدريسية التي تصرفت بعنف مع التلاميذ وسببت لهم اضراراً نفسية، على اعتبار ان مثل هذه التصرفات مخالفة لقوانين وزارة التربية في تنمية وتهذيب اجيال المستقبل”.
والمح الشمري الى:” اننا في الوقت ذاته يجب ان نبحث عن اسباب لجوء الهيئات التدريسية الى استخدام مثل هذه التصرفات بحق التلاميذ والطلبة، اذ ان الملاكات التربوية تعاني من ضغط وحالات نفسية كبيرة جداً بسبب سوء احوالهم المعاشية ومتطلبات الحياة اليومية لهم ولاطفالهم ورواتبهم المتدنية، اذا ماقورنت بنظرائهم في باقي الوزارات، وعدم شمولهم بتوزيع قطع الاراضي السكنية او تخصيص مجمعات سكنية للمعلمين او المدرسين، وكل هذه الاسباب تمنع المدرسين من تأدية اعمالهم بصورة صحيحة والتعامل بشكل عنيف مع الطلبة”.
التربية أولاً
الخبير الاجتماعي ذو الفقار حسين يوضح أن:” عموم المجتمع يعاني من ازدياد حالات العنف، الا انها في القطاع التربوي تعد استثنائية لان في هذه المؤسسة يجب ان تراعى التربية قبل التعليم، ومن الكوارث ان يتربى الطفل على العنف، لذلك لابد من زيادة الرقابة والمحاسبة والمسؤولية المباشرة عند حصول مثل هكذا حالات، فنرى ان هنالك تساهلاً بعدم عقوبة التدريسي الذي يتصرف بمثل هذه التصرفات وفي اغلب الاحيان يكون هنالك تكتم على الموضوع، رغم اننا نؤكد ضرورة محاسبة المتجاوزين على القانون،على اعتبار ان المعلم شخصية مقدسة”.
ويسترسل حسين:”هنالك نقاط كثيرة يجب مراعاتها منها الحالة النفسية للطالب والمعلم، لأن جزءاً كبيراً من المجتمع يعاني من مسائل حياتية معقدة واقتصادية تلقي بظلالها على الوضع التربوي، وفشل الوزارة في خلق جو تربوي حقيقي يساعد على انشاء جيل ناجح واضح للعيان، وبشهادة المؤسسات الدولية، فان التعليم في العراق خارج التصنيفات وغير معترف به دولياً وداخلياً، والدليل أن الاهالي تعاني دائماً من مشاكل التعليم، كما ان فكرتي التوبيخ والضرب والاعتداء على الطالب كلها ولدت اموراً سلبية، ومنها تزايد حالات التسرب بشكل غير منطقي”.
حسين يؤكد ان”مديرية الاشراف التربوي في وزارة التربية تتعامل مع حالات ضرب الاطفال بأنها امر طبيعي، مع ان العلم يتطور وان الطفل له حقوق مصانة لا يمكن تجاوزها، كما ان منظمتي الامم المتحدة للطفولة “يونيسيف”والتربية والثقافة والعلوم “يونسكو” جرمتا هذه الاعمال ولم تسمحا بها على الاطلاق”.
وتساءل حسين عن كيفية صناعة جيل يتم التعامل معه بالعنف والقوة؟، متابعاً:”الاطفال في بعض الاحيان يكونون خارج السياق المتعارف عليه في المدرسة كأن يكونوا مشاغبين او يتلفظون بالفاظ غير لائقة، لكن لا تتم عقوبتهم بهذه الطريقة، بل عن طريق التربية والتوعية”.
العشائر بدل القانون
من جانبه انتقد نقيب المعلمين عباس السوداني تشجيع البعض من المعلمين والادارات المدرسية لاعتداء الطلبة وذويهم احياناً لعدم لجوئهم الى السلطات القضائية والامنية، لاخذ حقوقهم فيقول:
“النقابة وفرت فريقاً من المحامين لاقامة دعاوى على المواطنين الذين يسيئون للمعلمين بالاعتداء عليهم، الا ان البعض من المعلمين فضلوا اللجوء الى العشائر ليتم الصلح والتنازل عن حقهم الشرعي لدى الدولة، ما منح الضوء الاخضر للآخرين بالتمادي في هذه الحالة”.
وبين السوداني:” لو نال 10 من المعتدين جزاءهم العادل واصدرت احكام ضدهم بالسجن او الغرامة لرُدع الآخرون ولما استمرت هذه الحالات، فهنالك فقرات واضحة وصريحة في قانون حماية المعلم مما اغلق الطريق امام المعتدين، عن طريق 12 مادة قانونية، ابرزها يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن مليونين ولا تزيد على 10 ملايين دينار او باحدى العقوبتين كل من يعتدي على معلم او مدرس او مشرف تربوي اثناء تأديته لواجبه او بسببها، وفي حالة وقوع فعل اعتداء من تلميذ او طالب على معلم او مدرس او مشرف تربوي اثناء تأدية واجبه فيعاقب بالغرامة التي لا تقل عن مليونين ولا تزيد على 10 ملايين دينار”.
وتابع:” ان المادة الثالثة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن اربع سنوات وغرامة لا تقل عن 5 ملايين دينار ولا تزيد على 10 ملايين او باحدى هاتين العقوبتين كل من يدعي بمطالبة عشائرية”.
التربية الايجابية
مديرة التعليم الابتدائي في مديرية التعليم العام في وزارة التربية شهرزاد مصطفى تفيد بأن:”احدى فقرات نظام المدارس الابتدائية رقم 30 لسنة 1978 منعت العنف بجميع انواعه، لكن بسبب الامور التي دخلت على المجتمع في السنوات الاخيرة كالانترنت واهمال بعض اولياء الامور لابنائهم، حصل بعض السلوكيات الخاطئة والتي اثرت في المدرسة بشكل او آخر، وعليه فان الوزارة ومن خلال قسم الارشاد التربوي ارتأت تكليف الاساتذة الجامعيين من خريجي الكلية التربوية المفتوحة قسم علم النفس بمهام الارشاد التربوي، وهؤلاء يتعاونون مع المدرسة واولياء الامور في تعديل الكثير من السلوكيات التي يشاهدها المعلم وسلوكيات الاطفال التي يجب التركيز عليها”.
وتابعت:” المؤشرات التي اطلقتها منظمة اليونيسيف بالتعاون مع وزارة التخطيط حول ابرز اسباب تسرب الطلبة من المدارس، كان اولها استخدام العنف، ما حدا بوزارة التربية الى اطلاق مشروع “التربية الايجابية” في30 مدرسة 10 منها صديقة للبيئة، موزعة على 13 مديرية في بغداد والمحافظات، لتعديل سلوكيات بعض التلاميذ من معنف الى اعتيادي وتكون المدرسة هي الاسرة الراعية والحاضنة للطفل عن طريق تدريب قادة كمرشدين تربويين او مدراء مدارس، مبينةً ان التقارير المتعلقة بهذا البرنامج قد ارسلت الى مديرية العلاقات الثقافية في الوزارة والتي بدورها توصلها الى المنظمات الدولية”.
وتطرقت مصطفى الى:”ان العلم في تطور مستمر والمنظمات الدولية في نظرياتها العملية تؤكد وجوب التعامل مع الطفل بسلوكيات الصديق والقريب منه، وعندما تراه يتحرك باستمرار في المدرسة، فهذا ليس معناه انه غير مستقر لكن من الممكن ان لا يجد في منزله مساحة للعب او الحركة، فحين يأتي الى المدرسة تراه يسلك سلوكاً غير صحيح، ويمكن ان تصحح سلوكه ، هذا وان احدى مديريات التربية قد اعدت كراساً لتوعية اولياء الامور لمراقبة اطفالهم من خلال لعبهم، لذلك وضمن خطة سياسة حماية الطفل والتي تطلبها منا تقارير قسم الارشاد التربوي والتعليم الابتدائي، خاطبنا مديريات التربية ووزارة التجارة لاستيراد العاب بديلة تغني عن الالعاب المحرضة على العنف”.
المصدر/ جريدة الصباح