الحرير/
بقلم/حسين الذكر
( الجماهير معركة استراتيجية عالمية لا يمكن ان تسير دون قواها وغطاؤها .. مما تطلب ان تكون كل مفاتيح الراي العام وتاثيراتها تحت السيطرة وبكل السبل الناعمة وان اقتضى الخشنة منها ) ..
هذه العبارة لم اكتبها زخرفا ولم انقلها من نص قديم او حديث بل اهتديت لها بعد قراءة الكثير من مشاهد التاريخ واستعراض الحاضر وما يجول في الضمير الإنساني جراء ما يحدث ويوظف .
قبل الاف السنين وفيما كانت الحرب مستعرة للسيطرة على مقدرات الأمم الاوربية آنذاك كانت الألعاب الرياضية القديمة في كثير منها تمثل الوحشية التامة كقتل العبيد وصراع الاسرى حتى الموت بما يشكل متعة وترفيه للطبقات الارستقراطية .. بصورة لا تختلف كثيرا عما نشاهده الان من اولئك الذين يستمتعون بكامل الاسترخاء افتراس الأسد والنمر والذئب لبقية حيوانات الغابة .
ثم طرات فكرة عبقرية براس احد اقطاب الفكر الاستعماري آنذاك بضرورة توظيف ميدان الألعاب الرياضية لخدمة الدولة تحت عنوان إشاعة الاستقرار والامن وما يستتر في أعماق دهاء السياسة . فتحولت الاحتفالات الدينية المقامة على شرف كبير الالهة اليونانية زيوس في مدينة أولمبيا غرب المدينة الى فرصة لاجتذاب الجماهير والمسؤولين من دول الجوار للمشاركة في تكريم قوة زيوس التي تمثل راس السياسة عندهم .
اعلن دي كوبيرتان مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة ومصمم رموزها كالعلم و الشعار .ان الفكر الأولمبي يهدف إلى تسخير الرياضة لخدمة التنمية البدنية وتشجيع إقامة مجتمع يسوده السلام ويعنى بالمحافظة على كرامة الإنسان .وقد أقيمت اول دورة اولمبية في أثينا باليونان 1896.
قطعا ان السياسة تدس انفها بكل ما له علاقة بالراي العام ولا يمكن ان تترك فرصة ذهبية كالالعاب الأولمبية العالمية دون ان يكون لها أداء لتوظيف وتنفيذ ما ظهر وما استتر منه .. فقد انقسمت الدول اثر خلاف قطبي العالم بحلفيهما الأطلسي ووارشو ومحاولة سيطرتهم على مقدرات الكوكب ورسم ملامح خارطة عالم جديد بصورة ظهرت جلية في الوحدة الأولمبية المزعومة وتجلى ذلك في ثلاث بطولات تصدعت بالتدخل والفعل السياسي العلني بلا حياد وبلا حياء .. ( أولمبياد 1976 مونتريال و1980 موسكو 1984 لوس انجلس ) وظل الصراع السياسي قائم ومثلت ميادين الألعاب الأولمبية والرياضية احد اكثر الأسلحة ( نعومة ) حربية كمصداق حرفي للمصطلح .
عام 2008 أقيمت الألعاب الأولمبية في العاصمة الصينية بكين وقد كان الافتتاح مبهرا وقد حرصت الحكومة الصينية على دعوة كل مصادر القوة العالمية لمشاهدته ووجهت الدعوات للرؤساء والوزراء والمفكرين والنجوم والرمزيات ورؤساء الشركات العملاقة .. وقد اظهر الافتتاح مدى ما بلغته القوة والحضارة الصينية الجديدة باوج عطاؤها الذي جسد من خلال رسالة حفل الافتتاح وليس اثناء حصد الاوسمة الذي اغتنمته الصين لتاكيد تلك السيادة والمنافسة .
اليوم وفيما نعيش عصر العولمة والانترنيت والتواصل والقرية العالمية المتحققة على ارض الواقع فان العالم السياسي ما زالت اقطابه تتنافس لفرض خارطة جديدة تخص مصالح القوى العظمى . فابعدت روسيا عن المشاركة في أولمبياد باريس 2024 بسبب الحرب الأوكرانية .. فيما تشارك إسرائيل بكامل قواها برغم كل ما يحدث في غزة .. الأسباب والتداعيات ليست عصية الفهم .. فان ميزان القوة السياسي له اليد الطولى في المعايير وان كانت بمقاييس لا تختلف كثيرا عن مكيافليلة الأمير قبل مئات السنين .