recent
أخبار ساخنة

مهاجر ..

الحرير/
بقلم / زكي الساعدي 
هبت ريح عالية اظنها ستقلب زورقنا الذي حشر فيه هذا الرجل التركي أكثر من عشرين رجلا وامراة وطفل ولدينا عجوز واحدة مع ابنتها الشابة وأظن اننا سنغرق جميعا ان البحر اليوم هائج جدا وأمواجه المتلاطمة وكأنها غاضبة لاتريدنا ان     
ان نعبر اليوم ...الايات  التي احفضها باتت متكررة وكاني اقرا الاية نفسها في كل مرة ولا استطيع ان اتذكر ما بعدها والماء طعمه مالح جدا قد يكون السبب لاني اول مرة أتذوق ماء البحر أنه مر ايضا كمية من الموج رشقتنا من جديد حتى ملئت فمي وبعض الماء في عيني وأنفي . بدا البحر مرعبا وفيه رائحة الموت ... بدأ شريط الذاكرة يرجع بي الى أمي التي لم تعرف الى اين انا ذاهب حين ودعتها وإلى أبي المقعد الذي كل ما اتذكره منه في لحظة الوداع كانت توصياته أن لا نشرب الماء البارد او الحفاظ على جوازي عند السفر ولم يعلم والدي أن أول ما هممت بإخفائه هو جواز السفر ... أختي الصغيرة التي طلبت مني ان اشتري لها لعبة حين اعود ولاتعلم بان البحر اليوم قد يقول كلمته الاخيرة وينتهي بنا المطاف ونحن في كبده ... 
الاطفال بدأوا بالبكاء ومن ثم الصراخ انه الموج اصبح اسودا  .. أشعر بالبلل في كل مكان وكأن القارب اضحى وعاء كبير مملوء بالبشر والماء .

صفير عالي من وسط البحر اسمعه مختلطا بهدير الموج وكانت تلك الصافرات من السفن اليونانية  وشعرت عند ذاك بالامل وما أن اقتربوا حتى رأينا فوهات البنادق موجهة باتجاهنا فنحن لاجئين غير شرعيين ولهم حق اعتقالنا بالبحر ..النساء تبكي والرجال مندهشة والأطفال يصرخون ... اقتادونا نحو اليابسة ..ادخلونا السجن وفي هذا السجن لا تمييز بين رجل وامرأة ...هاتفي نفذت بطاريته والآخرين الشيء نفسه حصل معهم ..

كان السجن أهون من البحر بكثير .. الحمد لله بدأ شعور الرعب يختفي شيئا فشيئا .. كانت اليومين في ذلك السجن اليوناني طويلة جدا وكئيبة وحزينة وبدون أي اتصال مع العالم الخارجي ... بدأت رحلتي الى المانيا عبر الحدود المحفوفة بالمخاطر والحكايات المؤلمة لمن معي وكيف تركوا وطنهم ..احدهم استطرد في حديث بنبرة حزينة جدا بأن المنطق يقول ان الدول العربية المسلمة يجب ان تكون اكثر انصافا للبشر وتكون هي الملجأ للجميع وليس هي المكان التي يهرب منها المواطن ليلجأ الى دول بعيدة لا تشترك معهم بشي سوى الانسانية  وذكر أن الدول العربية المتطورة والغنية كان الأجدر بهم استقبال اللاجئين من الحروب ومن الاقتتال ومن الفقر ويكونوا هم وجهة اللاجئين لا أن تكون دول الغرب الوجهة ...
واجهتنا كل انواع الصعوبات البرد والتعب والإرهاق والجوع وكان الياس والامل ضدان موجودان في داخل كل منا وكان الدافع أننا سننتقل من اللانظام الى النظام  ومن الاجرام الى الانسانية ومن الخوف إلى الاطمئنان ومن المجهول الى المستقبل ..
حلة طويلة حتى وصل كل منا الى وجهته في أوروبا واستقر بي الحال في احد المدارس الداخلية   التي أصبحت ملجأ للاجئين من مختلف الدول 
الامر ليس بالسهل لكنه أهون بكثير مما مر سابقا خلال هذه الرحلة ,,, كانو يتمتعون بانسانية نفتقدها وكانو يمثلون التكافل بابهى صوره وكانت العقبة هي التكلم بلغتهم وبدا مشوار التعليم الصعب الطويل وحتى ما اتقنت اللغة لم اترك اي عملا تطوعيا لمساعدة القادمين ولم ادخر جهدا لمساعدة من اتى مثلي ..خلال سنوات طويلة بعيدة عن الوطن انشأت عائلتي الجديدة وقلبي معلق بمن تركته بوطني ..كانت الغربة قاسية جدا وكان البعد عن الاهل اكثر ايلاما من اي مرض واصعب من اي شعور قد يواجهه الانسان ولكل شيء ثمن كان هذا الثمن الذي دفعته لاكون مواطنا في بلد يقدس الإنسان ويجعل كل شيء في خدمة الانسان وباستطاعة ان يعيش بدرجة من الحرية التي لا تتعارض مع حرية الآخرين ومع نظام يطبق على الجميع ويؤمن لك افضل انواع التامين الصحي والتعليم ويسمح لافراد عائلتك العيش بكرامة وأمان...تذكرت شيئا عن وطني اننا بالضد تماما والامر معكوس لدينا فاننا نقدس الاموات ونحط من قدر الأحياء فإذا كان إكرام الميت دفنه وتقديسه فالاولى بنا تكريم الأحياء بحياة كريمة
google-playkhamsatmostaqltradent