الحرير/
بقلم/حسين الذكر
حينما وقعت مفردة الثورة الفرنسية امام عيني اول مرة من خلال الكتب المنهجية التاريخية المدرسية التي تتبناها الحكومات العربية كافة . قرات عنها الكثير فيما يتعلق بنقطتين أساسية الأولى إشاعة مفردة ( الثورة تاكل أبنائها ) ذلك الشعار المتجسد بقتل اغلب قادة ابطال ثورة سجن الباستيل التي فسرت عملية الاكل المزعومة تلك على انها مجرد طريقة لا تتعلق بقتل الأبناء بقدر ما تمثله من منهجية تشكيل الثورات واعادة صياغة توجيهها .. اما الثانية فكانت تخص بريق وضجيج وزخرف شعارات ( الحرية والعدالة والمساواة ) المعمم للعالم انذاك كشعار حداثوي مع ان شعارات الإسلام واضحة جلية بهذا المعنى قبل الثورة بأكثر من الف ومائتي سنة .. الغريب انه ظل مسيطر وراسخ في العقلية العربية لا ينازع سلطانه أي شعار آخر .
كالعادة اقرا واكتب اكثر من ستة ساعات يوميا للبحث عن فرصة اللحاق في العالم اللاهث فمنذ استمتاعنا بنعمة التقنيات التواصلية التي جاد بها علينا العقل الغربي المحض .. كاجمل مظهر متجلي للعولمة بفتحها افاق العلم والعالم الذي وضع بين يدينا على طريقة ( شبيك لبيك) بغزارة معلوماتية شكل حجم الضخ فيها إشكالية بعد ما كنا نعاني فقر الشح .. الادهى انها تتمتع بقدرة غريبة عجيبة لإتاحة الحرية الفردية والمجتمعية لاعادة صياغة مفاهيمها ومن ثم تبنى نفسها من جديد وفقا لما تراه مناسب ..
صحيح ان نسب التظليل والتوهيم والخداع والتبني التغريبي وربما التوهيمي فضلا عن ( التتويهي ) قائمة على قدم وساق .. الا ان فرص حرية الانتقاء قائمة ويمكن ان توجه مركزيا بشك افضل بصورة تخدم المجتمعات وتسهم بتطوير الراي العام وبما يؤدي لصناعة جيل حر قادر على إزاحة الكرب من خلال تحديث المعلومات واثارة الشكوك ( الفولتيرية ) المزيلة لانواع التجهيل والتخلف العقلي والامراض الوجودية .
ارسل صديقي العزيز الدكتور حسين الربيعي الأستاذ في جامعة بغداد والذي يقيم في اوربا منذ سنوات طويلة موضوعا جميلا عبر الواتس آب تلك البوابة المعرفية المهنية التي تقدم لنا خدمات لا تحصى ولا تعد على صعيد المعرفة التواصلية بكل أنواعها (السمينة) مع قدرة التحكم بحجم الغث منها ..
قد قرات الموضوع بنهم بعد ما شدني العنوان واستمتع اكثر في المضمون المتمثل بالوصايا المتناقضة للكاتب الأمريكي ( كينت كيث Kent M. Keith) التي جاد بها سنة 1968 وحولها عام ٢٠٠٢م إلى كتاب سماه (على أية حال - Anyway ) الذي تربع على قائمة أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا في تلك الفترة ولفترات طويلة حسب ما افادني به الصديق د حسين . مضيفا بان الكتاب ترجم الى إلى عديد اللغات حتى لفتت انتباه العالم وتحولت إلى ملصقات علقت ووزعت في الميادين والشوارع .
مع ان الوصايا جميلة جدا واحببتها لكني لم امررها دون تمحيص او في الأقل استوقف واستوضح ما تثيره في عقلي من ردة فعل طبيعية لكل ما ارى واسمع اذ طوعت نفسي منذ الصغر على ان لا اقبل شيء الا ان اغربله على طريقة فلاتر سقراط .
الوصايا:
١. الناس غير منطقيين ولا تهمهم إلا مصلحتهم، أحِبهم على أية حال.
٢. إذا فعلت الخير سيتهمك الناس بأن لك دوافع أنانية خفية، افعل الخير على أية حال.
٣. إذا حققت النجاح سوف تكسب أصدقاء مزيفين وأعداء حقيقين، انجح على أية حال.
٤. الخير الذي تفعله اليوم سوف يُنسى غداً، افعل الخير على أية حال.
٥. إن الصدق والصراحة يجعلانك عرضة للإنتقاد، كن صادقاً وصريحاً على أية حال.
٦. إن أعظم الرجال والنساء الذين يحملون أعظم الأفكار يمكن أن يوقفهم أصغر الرجال والنساء الذين يملكون أصغر العقول، احمل أفكاراً عظيمة على أية حال.
٧. الناس يحبون المستضعفين لكنهم يتبعون المستكبرين، جاهد من أجل المستضعفين على أية حال .
٨. ما تنفق سنوات في بنائه قد ينهار بين عشية وضحاها، إبنِ على أية حال.
٩. الناس في أمس الحاجة إلى المساعدة، لكنهم قد يهاجمونك إذا ساعدتهم، ساعدهم على أية حال.
١٠. إذا أعطيت العالم أفضل ما لديك سيرد عليك البعض بالإساءة، أعط العالم أفضل ما لديك على أية حال .
الملاحظة العامة على ما ذكرت :-
ان الوصايا جميلة ورائعة مع مسحة تشاؤم بادية في أعماق الرائع - كينت كيث – الا ان في دواخلي الكثير مما اثارته من فضول استرجعت فيه ذاكرتي فوجدت ان اغلبها ان لم يكن جميعها تمثل حكم ومقولات سابقة لمختلف الحضارات العالمية ( رافيدينية او نيلية او صينية او فارسية او هندية او اغريقية ... غير ذاك ما لم يستحضر اسمه .. على العموم هي مطروقة من قبل لكن قيمة الابداع الأمريكي الكينيثوي يمكن بإعادة الصياغة والتوظيف والإخراج ..
لو القينا نظرة على الفقرة العاشرة من الوصايا - على سبيل المثال – سنجدها تحوير للحكمة العربية الإسلامية : ( اتقي شر من احسنت اليه ) . كذلك الوصية السابعة هي فرزدقية الدم والعظم اذ قالها بشهرة عرمرم : ( الناس معك وسيوفهم عليك ) .. وهكذا في تتبع المقولات لا تجد ابتكارا الا وله جذور حضاراتي سالف .