الحرير/
بقلم/محمد عبد الجبار الشبوط
ارجو ان يفهم القراء الاعزاء ان هذا المقال عبارة عن مساهمة على مستوى النظرية وليس على مستوى التطبيق. يمعنى ان المقال يحاول ان يشرح موقع مجالس المحافظات في البناء الديموقراطي للدولة على مستوى النظرية وليس على مستوى التطبيق. وبالتالي فان المقال موجه فقط الى اولئك المواطنين الذين تهمهم النظرية. اما المواطنون الذين لايهمهم سوى التطبيق فان المقال لا يخاطبهم.
على مستوى النظرية، يفترض المقال ان هناك نظرية لبناء الدولة الديمقراطية، وبالتالي فان المقال يحاول ان يشرح موقع مجالس المحافظات في نظرية بناء الدولة الديمقراطية. ماذا تعني الدولة الديمقراطية؟ ماذا يعني البناء الديموقراطي للدولة؟ ماذا تعني الديمقراطية؟
الكلمة المركزية في الاجابة عن هذا السؤال هي: المشاركة الشعبية. الفرق بين الدولة الديمقراطية من جهة، والدولة الاستبدادية او السلطانية من جهة اخرى، هو ان الدولة الديمقراطية تقوم على اساس المشاركة الشعبية، اي مشاركة ابناء الشعب مباشرة او عن طريق ممثليهم المنتخبين في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم. ومن صور هذه المشاركة: انتخاب المشرعين والممثلين، انتخاب المسؤولين التنفيذيين او اقالتهم، المصادقة على كيفية صرف الاموال العامة (قانون الموازنة)، مراقبة السلطات التنفيذية، اعلان الحرب او السلام. وتكون هذه المشاركة الشعبية على المستوى الوطني وعلى المستوى المحلي. اما في الدولة الاستبدادية او السلطانية فان الامر يجري على نحو مختلف، حيث لا توجد ضرورة للمشاركة الشعبية، حيث يقوم الزعيم او الرئيس باتخاذ القرارات نيابة عن الشعب. ولا ننسى ان قرارات مجلس قيادة الثورة المؤلف من اشخاص غير منتخبين بما في ذلك رئيس المجلس، اي صدام حسين، كانت تتخذ باسم الشعب، لكن الحقيقة ان الشعب لم يكن له دور في اتخاذ القرارات. وهكذا خاض العراق حرب السنوات الثمان بقرار من الرئيس المستبد، وكذلك خاض حرب احتلال الكويت، وكذلك التصرف بالاموال العامة وبخاصة عائدات النفط، وغير ذلك.وفي عراق ما بعد ٢٠٠٣ اصبح قادة القوائم الانتخابية و رؤساء الاحزاب والتيارات السياسية يأخذون القرارات السياسية بصورة فردية وبدون مشاركة القواعد الشعبية لهم، لسبب بسيط واساسي وهو ان هذه القواعد الشعبية متعودة على القيادة الاستبدادية او السلطانية، وغير متعودة على القيادة الديموقراطية القائمة على اساس المشاركة الشعبية. ولهذا كانت قرارات القيادات الاستبدادية او السلطانية للاحزاب والتيارات تمضي بدون اعتراض او مناقشة.
على المستوى النظري، وبغض النظر عن المستوى التطبيقي، اقول اذا اردنا ان نبني دولة ديمقراطية فيجب ان تبنى هذه الدولة على اساس المشاركة الشعبية، على المستوى الوطني وعلى المستوى المحلي (اي المحافظات). المشاركة الشعبية على المستوى الوطني تتحقق بانتخاب مجلس النواب (الاتحادي). والمشاركة الشعبية على المستوى المحلي تتحقق بانتخاب مجالس المحافظات. ومن هنا قلت ان انتخابات مجالس المحافظات حلقة اساسية في البناء الديموقراطي للدولة.
الذين لايؤمنون بهذه النظرية عليهم ان يشرحوا ايضا على مستوى النظرية كيف يكون البناء الديمقراطي للدولة بنظرهم. كيف ستتم مشاركة ابناء المحافظة في القرارات المتعلقة بمحافظتهم؟ كيف سيتم انتخاب المحافظ والمسؤولين المحليين؟ كيف ستتم مراقبة المسؤولين المحليين؟ الخ. وبهذا ستكون لدينا نظريتان لبناء الدولة. الاولى نظرية تتضمن مجالس المحافظات، ونظرية لا تتضمن مجالس المحافظات. ولكن الدستور يتبنى النظرية الاولى حسب الفصل الثاني من الباب الخامس منه. وعليه فان على اصحاب النظرية الثانية العمل بالطرق السياسية والدستورية لتغيير الدستور وحذف هذا المقطع منه. اما ما نشاهده في الشارع من تمزيق لصور المرشحين او تهديد المشاركين في انتخابات مجالس المحافظات بقطع الرؤوس، فهذا عمل غير مقبول بالمعايير الدستورية والديمقراطية. تقول هذه المعايير ان على الاطراف المختلفة في الرأي في القضايا السياسية بما في ذلك انتخابات مجالس المحافظات ان يحترم بعضها البعض الاخر. فرض الرأي بالقوة والتهديد يكشف عن ان اصحاب هذا الرأي لا يؤمنون بمباديء البناء الديمقراطي للدولة بما في ذلك المشاركة الشعبية بالطرق القانونية والدستورية السياسية-السلمية.