الحرير/
بقلم/حسين الذكر
حينما حطت قدماي صباح الثلاثاء بمحطة قطار بغداد .. لم اكن اعلم ان مشوار الطريق سيكون نحو البصرة الفيحاء طويل جدا .. فقد التقيت بعض زملائي من المحللين السياسيين في بوابة المحطة المتربعة منذ عقود في سنتر العاصمة بالقرب من محطة كراج العلاوي مقابل حديقة الزوراء .. وقد طالعنا بنايتها التاريخية التي ما زالت تحافظ علی رونقها برغم السنون واختلاف واختلاق الشؤون . فحمدت الله وشكرته ان المحطة لم تتعرض بعد لابتزاز الاستثمار او اسفاف ما يسمی بالترميم والبناء لبعض منشئات العراق التي عانت الويل جراء هذا الفتق الفسادوي وقانا الله شره .
الاخوة في وزارة النقل نظموا رحلة قطارية لمجموعة من الزملاء المحللين والاعلاميين لتفقد مشروع طريق التنمية والرؤية عن قرب للمساهمة بالتحفيز والمساندة لمشروع استراتيجي وحيوي بانعكاساته الاقتصادية والامنية والسياسية فضلا عن العمرانية المنتظرة ..كما يقول عنه المسؤولين في الوزارة وشركة السكك العراقية ..
انطلق قطارنا العتيد يطوي المسافات وتحيط بجانبيه الانقاض واطنان المخلفات والاوساخ التي اصبحت سمة لاغلب جانبي الطرق في عموم العراق وكانها مسئلة عصية علی التنظيف وزرع المقتربات في بلد زراعي منذ الازل ..
في واحدة من حسنات الرحلة التقيت بزملاء رائعين وتعرفت باخرين .. ثم عقد الزميل يونس الكعبي مدير عام الشركة شبه مؤتمر في احدی مقصورات القطار عن الرحلة حضرها عدد من الزملاء وناقشوا محاور شتی تدور حول مركزية ومستقبل طريق التنمية .. وقد كان صدر الكعبي رحبا سيما لمداخلتي.. حيث اكدت علی اهمية انجاز ما للشعب بالتوازي لما للسلطة بخطوات المشروع .. وقد كان متفهم وملم جدا بمقتضيات الحوار مع انه لم يجبني شافيا كما اريد ..
الاخوة العاملين في القطار كانوا متوثبين لخدمتنا مستانسين بنا طوال الرحلة المستغرقة اكثر من اثنا عشر ساعة كان يمكن ان تختزل بساعتين في ظل خدمات قطار حديث ..
بعض الموظفين وعلی هامش الرحلة تجمعوا واخذنا نناقش مواضيع شتی .. ثم سالت احدهم عن راتبه فقال :(اربعمائة الف دينار ) علما ان خدمتي ستة وعشرون سنة .. وانها قليلة ولا تكفي متطلبات اسرة . واردف قبل 2003 كان راتبه تقريبا دولار واحد بالشهر لا يكفي حتی لشراء طبقة بيض ..
ثم اشتكی اخرين من ضعف الرواتب وتوسع الحديث ليشمل هموم العراق .. فقال احدهم سائلا بحسرة :( استاذ .. لا يوجد امل .. تغيير سياسي .. تحسن احوال .. اي شيء اخر .. ثم صاح واحد من بعيد انقلاب واكتساح جديد ...) .. فاجبتهم وماذا يفيدكم التغيير والانقلاب ..
لقد حدث زلزال 2003ۢ الذي كنا نتوقع انه سيحيل النار الی جنة .. فلم نحصد سوی الاف الضحايا الجدد والخسائر والتفرقة والتدني القيمي والتقهقر الحضاري .. فلا تتوقعوا حلولا من الانقلابات والتظاهرات والاحتلالات .. كلها تصب وتسرق لصالح السلطة فيما يبقی الشعب تحت طابور معاناته .. فانتم وانا والاغلبية سنبقی مجرد شعب اول من يضحي دون ان يستفيد .. فيما السلطة لها الامتيازات والمناصب والمشاريع وكل شيء .. السلطة هي هي واحدة ملكية كانت ام جمهورية دكتاتورية ام ديمقراطية فالعرب عامة والعراق خاصة يدورون بدائرة مقيتة يخطط لها وتدار وتقاد من الخارج .. واذا ما اراد احد من الشعب التحول الی السلطة فذلك يتطلب انسلاخ ونزع جلد وتعلم اساليب ولغة وفلسفة السلطة دون اي عاطفة او انتماء للشعب .. فالفقراء لا يلتفت اليهم الا بالحروب والانتخابات وتجمعات مرسومة اخری ..
مررنا بمحطة السماوة ثم الناصرية الی ان حططنا في البصرة كلهم كانوا بانتظارنا ورحبوا بنا وضيفونا وعبروا عن اصالتهم وعراقتهم ووحدتهم التي هي اهم واكبر مما يخطط ويبتلع الاخرون ..