الحرير/
بقلم/د . رعد هادي جبارة
لاشك في أن تكرار الإساءة للمقدسات في دولة أوربية ترى نفسها متحضرة ومهداً لحقوق الإنسان؛ يستحق من كل المسلمين وقفة شجاعة و ردة فعل ترقى لردع أي دولة أخرى من السماح لمعتوه ملحد يجعل نفسه مهدور الدم (بإجماع علماء المسلمين) بسبب قيامه بهذه الجريمة النكراء.
بيد إن المراقبين توقفوا عند الأحداث التي شهدتها العاصمة بغداد اليوم، إذ علق البعض على ذلك بالقول:كيف ستبرر حكومة السوداني ما شهدته سفارة السويد في بغداد،في ضوء معاهدات فيينا والأعراف الدبلوماسية؟
فلو كانت سفيرةالسويد في العراق قد استدعيت لوزارة الخارجية العراقية و طُلب منها مغادرة العراق خلال فترة محددة (7أيام مثلاً]والمطالبة بتسليم الملحد المدنّس موميكا ؛لكان أفضل من الهجوم على المبنى و الحرق الغوغائي.
والحقيقة إن وزارة الخارجية العراقية و وزيرها الكردي(المنتمي لحزب البارزاني) و مساعديه ارتكبوا تقصيراً و تأخيراً غير مبرّرَين في الاحتجاج على مافعلته السويد باستدعاء سفيرتها وابلاغها بالمغادرة حتى حصلت الهجمة على السفارة بدعوة من جهة معينة، وإلى أن أمر السيد محمد شياع السوداني وزارة الخارجية بإبلاغ السفيرة السويدية بمغادرة لبغداد وسحب القائم بأعمال السفارة العراقية في استوكهولم.
وبالنسبة لحرق السفارة لم يكن بالحسبان ولم يحدث في أي دولة مسلمة، حيث سيؤدي إلى تغريم العراق من خزينته كل الأضرار المادية التي ألحقها المهاجمون بمبنى السفارة ومحتوياتها،فضلا عن الاعتذار الرسمي يوماً ما .
و يعتقدالمراقبون إن المهاجمين ركبوا الموجة و عادوا إلى ممارسة هوايتهم المفضلة في التخريب والحرق لإحراج حكومة الإطار التنسيقي امام أوروبا و أمريكا الذين تضامنوا مع السويد بسبب حرق سفارتها على يد جهة معينة، ثم طرد سفيرتها فقط من العراق من بين كل الدول الإسلامية ال57، و ربما اعتبر الغرب ماحصل من اساءة في السويد بترخيص من حكومتها عبارة عن(حرق فرد واحد لمصحف واحد) وابوك الله يرحمه!.
فعلى الاطار و حكومة السوداني ضبط النفس (يعني مايروحون زايد)والا ستكون هذه ذريعة للغرب للاطاحة بحكومة الاطار التنسيقي كمافعلوها بعبدالمهدي و كانت وسيلتهم هو طلب ازاحته ضمن خطبة جمعة كربلاء المعروفة .
وهذا بالضبط مايسعى له الذين استقالوا من مجلس النواب،لكنهم لم ينجحوا في منع تشكيل الحكومة من قبل ائتلاف إدارة الدولة ومن قبل مرشح الاطار التنسيقي.
وكادت الأمور تستقر في العراق وبدأ الوضع الأمني يستتب وتبلورت الخدمات العامة لمصلحة الشارع العراقي وتنفس الناس الصعداء وانزاح كابوس الهجوم الغادر على الخضراء و احتلال مجلس النواب، حتى جاء الهجوم على السفارة وحرقها ليغطي على فضيحة احتجاز الجاسوسة الاسرائيلية تسوركوف التي كشفت معلومات كثيرة حول علاقتها بتيار معين، و اتجهت الانظار لهذا الاختراق بعد الاختراقين السابقين لنفس الجهة من قبل الجاسوسةالاوكرانية رويتا والمطبّعة الكويتية فجر السعيد.
لهذا كله ينبغي الحذر من استدراج السوداني وحكومته لهذا الفخ و اسقاطها عبر انفعالها الزائد وخطواتها غير المحسوبة.فحكومة السوداني مدعوة لضبط النفس و ضبط إيقاع الشارع و منع أعمال الحرق، و الانفلات الأمني،بذريعة الاحتجاج.
ولن أنسى ما قاله لي الصديق العزيز السفير حبيب الصدر :
[ تمنيت لو لم يحدث الحرق والاقتحام لمبنى السفارة لان الطرف السويدي وداعميه الامريكان ودول الاتحاد الاوروبي إتخذوا الحرق ذريعة لجعل العراق ضاربا عرض الحائط باتفاقية فيينا التي تنظم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فضلا عن تحويل الانظار عن أصل المشكلة الى الخرق الدبلوماسي..ورغم ذلك ينبغي التركيز على الاساءة المتعمدة لمقدساتنا الاسلامية و حشد التأييد العربي و الاسلامي لاستنكار هذا العمل الأهوج للحيلولة دون تكراره]وهو محقٌّ في ذلك،فهو العارف باتفاقيات فيينا والاعراف الدبلوماسية.
وفي هذا السياق، جاءت مبادرة العراق من أجل الدعوة للمؤتمر قمة اسلامي، فحرق المسجد الأقصى كان هو المبرر لانعقادالمؤتمرالاسلامي الذي أفضى لتأسيس منظمة المؤتمرالاسلامي (حاليا منظمة التعاون الاسلامي) ولكن حرق القرآن أعظم جرماً وهتكاً للمقدسات وأشد وقعاً و أولى بانعقاد المؤتمر الاسلامي للخروج بموقف موحد أمام الأمم المتحدة و شعوب العالم كلها بأن المسلمين لن يتهاونوا في الدفاع عن مقدساتهم و على رأسها القرآن الكريم.
~~~~~~~~~
☆باحث ودبلوماسي سابق.