الحرير/
بقلم/د.محمد العبادي
قد يتخذ الإنسان قريناً له فيورده موارد الهلكة والضياع ،وتكون نتيجة ذلك أن يتبرم به (قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ).
إنّ إختيار الصديق الصدوق هو مرقاة للنجاة ،لأنّه سيكون بمثابة المرآة العاكسة لأقوال الإنسان وأفعاله ،وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : (صديقك مَن صدَقَك لا مَن صدَّقك).صديقك الحقيقي هو الذي يصدَقك ويلفت نظرك إلى مواقع الخطأ عندما يصدر منك ،ويصدقك في مواقفه عند مواقع الحاجة إليه، ويصدّقك عندما تكون في موقع الصدق ،ولايصدّقك عندما تكون في موضع الضلال .
في عصرنا هذا إختلف معنى الصديق عنه في الأزمنة السابقة؛حيث أصبح صديقنا عبارة عن آلة إسمه (الهاتف المحمول وعالم الإنترنيت)ونتصفح فيه ،وهذا الصديق يتحدث ونحن نستمع له ،ويكتب لنا ونحن نقرأ له ،ويرسل لنا صور ونحن نتصفحها ،ويختار لنا الأخبار ونتلقاها برحابة صدر،يأخذ من وقتنا يومياً ساعات طويلة.
لا أقول إنّ هذا الصديق الجديد عبارة عن شرّ مطلق ؛بل أقول علينا أن نتجنب الشر فيه ونتخير الخير منه .
هذا الصديق الجديد إحتكر وقتنا ووقت أبنائنا له ،وحجب عنا وعنهم كثير من المعرفة والتعلم :(قل لي من تصاحب ؟ أقول لك :مَن أنت ).
نعم يعرف المرء بقرينه :
عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه**فكل قرين بالمقارن يقتدي
إن الصديق الجديد الذي إتخذه الإنسان مؤنساً له في وحدته وخلوته ومسيره هو عبارة عن آلة عجماء صغيرة تحتضتنها راحة اليد وتتحكم فيه،وليس له منها إلا مفتاح التشغيل،ثم لها مفتاح التحكم فيه ،وإستهلاك وقته وإلهائه.
قبل أيام وأثناء لقاء السيد الخامنئي بالمبلغين قال لهم :( لقد كنا عندما نذهب إلى التبليغ نتحدث للنّاس عن الصديق الصالح وضرورة تجنب الصديق الطالح ،واليوم أصبح صديق الإنسان المقرّب في داخل جيبه ).
إنّ هذا الصديق اللصيق يريدك مثلما هو يريد لا كما أنت تريد ، ولهذا عليك أن تتسلح بالوعي (إعرف عدوك).
هذا الصديق اللصيق يريدك في أغلب وقتك تحت إختياره ،ويريد منك أن تكون مدمناً عليه .إنّه أناني ،ويفرغ مافي جوفه على عقلك وقلبك ومشاعرك،وإذا لم تستعمله إستعمالاً صحيحاً فيتحول إلى مادة تخديرية ،ويمكنك أن تقول عنه إنّه أفيون الشعوب .
إنّ هذا الصديق أو(الآلة )فرش بساطه لكل من هب ودب لكي يدلوا بدلوهم ،وكانت النتيجة أن ضاعت بوصلتنا،وتسطحت معرفتنا،وأخذ بعضنا لايميز بين العدو والصديق .
لقد ألقى هذا الصديق في ساحتك ؛سيلاً عرمرماً من المعلومات ، وماعليك إلا أن تأخذ منها ماينفعك وتترك الزبد الجفاء .
لقد قَبِل بعضنا كل ما يُلقى إليه من هذا الصديق ،وحصد من ذلك أن أخطأ الهدف وأخذ يوجه خطابه إلى المخاطب الخطأ،فمثلاً لو تهجمت فرنسا على نبينا نوجه إعتراضنا وخطابنا للمسلمين وليس إلى فرنسا ،ولو إحتلتنا أمريكا بقواعدها العسكرية والإستخبارية وتحكمت في إقتصادنا ومصارفنا المالية نوجه إتهامنا لإيران ،ولو قتلت إسرائيل مئات من الأطفال الفلسطينيين أوسجنتهم لانلتفت إلى ذلك،لكن نلتفت ونبكي على الطفل السوري الغريق (إيلان)، ولو أحرق أحد العملاء قرآننا تحت حماية دولة أو دول لاتحترم مقدساتنا نتهم أنفسنا ونطلق النار عليها،ونقول نحن أحرقنا ومزقنا القرآن قبل ذلك ،ولو غرق أكثر من سبعمائة من القارة السمراء لانقيم لهم وزنا ،لكن لو غرق خمسة أفراد من الأغنياء المترفين لـ(قام الناس ماقعدوا).
نعم تغيرت وسائل التواصل وأنقلبت الموازين القسط ،وأصبح هذا الصديق الجديد يرسل لك مايشاء لا ماتشاء،وعليك أن تكون على حذر منه ،لأنك إن لم تتحكم به يصبح جليس سوء وقرين سوء (فلينظر أحدكم من يخالل ).