الحرير/
الكاتبة نزهة عزيزي / الجزائر
جويس منصور إسم شاعرة فرنسية من أصول مصرية، لا تذكرها مقررات الادب في الجامعات والمعاهد العربية، إكتشفت ادبها صدفة عبر حديث شيق مع صديقي الأستاذ رجائي موسى مسؤول دار النشر (هنٌ) في القاهرة، فكان من الطبيعي بالنسبة له ان يعٌرفني بشاعرة مميزة كجويس منصور،
لما بحثت عنـها علـى (مواقع التواصل الاجتماعي) وجدت نصوصها مترجمة فقراتها باللغتين العربية والفرنسية فإذا بي التقي بها في أبجديتها الاصلية فكان لشعرها نكهة خاصة في لغته الاصلية ، نصها خام جدا لكأنك تقرا في تجويف دواخلها دون مقدمات، تغور معها في اناها وتبحر حيث لم يدعوك احد للإبحار، فكنت كمن ينفظ الغبار على تحفة ثمينة، وإذا بشعرها يأخذني من عطلة ابريل التي قررت ان اقضيها بين مروج وحدائق مدينة فالونس الفرنسية دون (موبايل) ولا (فايسبوك) ولا حتى رنة هاتف ! فإذا بأشعار جويس منصور تنام تحت سريري لأني نسخت الكثير منها لأقرأها في خلوتي مع الطبيعة .
صدمت بكل تلك العتمة التي كادت تغتال منتوجها الادبي طيلة هذه المدة ، فهي بدأت تكتب بعد الحرب العالمية الثانية لكنها لم تحظى بالدراسة إلا في بداية التسعينات مع ظهور مجموعتها الكاملة وتسليط الضوء أخيرا على شعرها وانصافها كشاعرة عبر بعض الدراسات الأدبية لمؤلفاتها .
إلتحقت جويس منصور بالتيار السريالي الفرنسي فكانت المراة الوحيدة في كوكبة من الفنانين والادباء الذين صنعوا التيار السيريالي الفرنسي، فكانت كالكاتبة جورج صوند تقتحم صالونات الادب والشعر التي اقصيت النساء منها، جاء الاقصاء على مستويين :
أولاً : لكون شعرها كسر كل تابوهات الجنس وحرر النص الشعري .
وثانياً : لكونها إمراة .
فقال عنها (اندري بروتون) أب السريالية انها الشاعرة المرأة وكان يطلب منها ان تتناول وتكتب كل أنواع الادب فكتبت جويس نثراً وشعراً و رواية ومسرحاً قبل ان تجد هويتها في الشعر فكتبت :
• صرخات 1953
• تمزقات 1955 (A¨ç¨ "هذا) 1970
• الثقوب السوداء 1986
• ازرق القاع 1968.
إتسم شعر جويس منصور (بالايروتيكيية) لكنه عَبَـرَ عن كل مراحل حياتها، ففي مجموعتها ازرق القاع والثقوب السوداء نرى جليا كيف تأثرت بالشيخوخة وبالموت، في صرخات هي فترة ألم مرت بها الشاعرة التي فقدت أمها وزوجها في فترة وجيزة فكانت كمن سرق منه الفرح بغتة فتنبض نصوصها بالحب الذي مات في مهده .
لماذا توقفت عند شعر ذلك العصفور القادم من الشرق هكذا كان يصفها الفنانون السرياليون لأنها تطرح إشكالية الادب النسوي الذي يصادر ولا ينصف رغم أني أضع كلمة أدب نسوي بين قوسين لان الادب بالنسبة لي لا جنس له وإذا بدانا بالتصنيف فهذا في حد ذاته ليس إنصافا. لماذا كلما تطرقت المرأة الواضيع حساسة كالجنس توجه لها أصابع تنعتها بالفجور في حين يكتب الرجال منذ قرون عن الجنس ؟
تعرضت جويس لمقصلتين المقصلة الأولى مقصلة إختيار الموضوع والمقصلة الثانية كونها إمراة قادمة من مصر تكتب شعرا فرنسيا لتفتن التيار السريالي برمته !
جويس شاعرة متمردة فهي تبحث وتعري الجزء المظلم من القمر، كما جاء في تعبير لهتلر لكل منا جزؤه المظلم من القمر، وما شعر جويس إلا فضح لتلك الانا الأخرى التي تندس في كل واحد منا فأشعارها ليست إنا جويس وحدها بل هو ذلك الـ أنا الكلي، فهي لا تهذب الكلمات ولا (توظبـها) ولا تلبس الحروف ابـهـى حللها لكي تخاطب القارئ، هي ترسم بالكلمات لوحات شعورية ولا شعورية هي تأخذك إلى حيث لم يعتد احد أخدك، إلى تلك الأماكن العتمة والمظلمة من اناك، هي ذلك الانسان التي ترى نفسك داخله وخارجه عندما تقرأ جويس لا يمكن ان لا تتأثر بعفويتها، ثوب الشعر المعلق تعرضه عليك فيعجبك لكنه سيفتنك إذا لبس جسمك ولست محتاج إلى (روتوش) لتجعله على مقاسك .
في الأخيـر، الشعر هو عجزك عن البوح لأنك لا تملك لغة، هو كل مالا تعرف قوله او بوحه لكن أحدا آخر قاله مكانك لأنه يملك ملكة البوح وله حروفه ولغته الخاصة لكنه يلتقي بك كلما قرات نصه او انه يصدمك لأنه يعرفك اكثر من نفسك أحياناً، او يخرجك في جولة عنها لذلك احسنت جويس التجول في النفس البشرية فهي تسحبك لقعر لم تلمسها من قبل .
جويس منصور من النساء اللواتي عشن فترة نكران او تنكر لموهبتهن الفذة التي كان عليهن صقلها قبل ان يثبتنها للعالم او بالأحرى للمجتمع الذكوري، هناك قواسم مشتركة مع الكاتبة الجزائرية المزعجة على حسب تعبير بعض النقاد مليكة مقدم التي تنشر غسيلها الحميمي في روايتها (رجالي) او مع الكاتبة السورية سلوى نعيم في كتابها (برهان العسل) حيث تعترف بكونها إمراة لا تعترف بالحب بل بالجنس لأنه حسبها العلاقة الوحيدة الحقيقية بين رجل وامراة، والباقي ادب وروايات والجميل في قلب نصوصها التي تفتقر كثيرا إلى الثراء اللغوي تلتقي بكل الادباء العرب عبر التاريخ الذين كتبوا عن الجنس وممارسة الجماع منذ حضارة بلاد الرافدين ذلك المورث الثقافي الجنسي الزاخر الذي حاول تقديمه الدكتور (مالك شبل) للقارئ الأوروبي وبأن العرب اول من درس الجنس بصورة علمية ابتداءاً من (الف ليلة وليلة) و (حدائق العطرة) للشيخ النفزاوي والقائمة طويلة .
اغلق القوس الذي فتحته على بعض الاديبات اللواتي لم يلجن ابدا دور النشر في البلدان العربية لطبع ونشر مؤلفاتهن لان الرقابة الذكورية كانت ستحول دون ذلك، رغم ان جويس فرنسية الثقافة والقلم إلا ان الاعتراف بشعرها لم يكن هيناً .
كان يجب ان ننتظر لغاية التسعينات كما سبق وذكرت أنفاً لتسليط الضوء على ادبها وإنصافه خصوصا الدراسة الصادرة عن دار ديدي اريدسيون 1996 (يجمعنا القلق وتفرقنا ذروة النشوة) تحليل شعر جويس منصور أ. بجورناس، والتي تصنف جويس كشاعرة من الطراز الأول فأن الشاعرة حاضرة في كل الشعر المنصوري والذي نشهد تحوله من خلال كل مجموعتها انا فردي في صرخات يتحول إلى (هو) في مجموعة (هذا) ويصبح (نحن) في ازرق القاع وفي الثقوب السوداء حيث تستعد جويس لشيخوخة المضجرة وأخيرا الموت .
إليكم قطوف من حدائق جويس منصور :
كنتُ جبانةً أمام موته
كنتُ جبانةً أمام حياتنا
رأسه ذات الوجنتين النديتين
انتزعتني رغماً عني من الوعود المجانية
من الوعود المنبوحة، من الصموتات، من الصرخات،
ظهري الذي يتصببُ عرقاً، فزعي، صرخاتي
وعندئذ لكي أهرب من عينيه
حَنيت رأسي، ركعت
وبجبيني المروَّع
خفّفتُ آلامه
*****
الفراغ فوق رأسي
دوار النشوة في فمي
وأنت فوق ظهري
القط فوق السطح
يلوك عيناً حلوة
عين حاج يبحث عن إلهه
*****
شعره الأصهب له رائحة المحيط
الشمس الغاربة تنعكس على الرمل الميت
يتمدد الليل على سريره المصنوع من الأبهة
بينما المرأةُ اللاهثةُ المرتجفة
تتلقى بين فخذيها الخائرتين
القبلات الأخيرة لشمسٍ تموت
*****
أنت تحب الرقاد في فراشنا المهزوم
قطرات عرقنا السابقة لا تثير اشمئزازك
مفارش سريرنا التي وسختها أحلامٌ منسية
صرخاتنا التي تجلجلُ في الغرفةِ الكئيبة
كل هذا يثير جسدك الجائع
أخيراً يضيءُ وجهُك الكريه
فرغباتُ أمسنا هي أحلام غدك
*****
انتظرني
أكاد أشعر أن الزمن يفر
من غرفتي حيث تنام دموعي في فراشي
أعرف جسدك الوعر
الذي يرقص دون توقف على جلجلات ضحكاتي
أعرف جسدك الفاجر
الذي لا يحبُّ غير سخونة المحتضرين
في ذراعيه، على فمه، بين فخذيه ذواتي الشعر الكثيف
انتظر علَّ لذتي تتهيأ للموت
انتظر علَّ جسدي يتمدد، يتصلب
قبل أن يسليك
*****
إنها تحبني بأنانية
تحب أن أرشف لعابها الليلي
تحب أن أمرِّر شفاهي الملحيَّة
على فخذيها الفاجرتين، على ثدييها الساقطتين
تحب أن أبكي ليل شبابي
بينما تستنفد عضلاتي التي تغتاظ
من أهوائها الفاحشة
*****
الأخفاف الحمراء للكلبات في فصل الهياج
الشعر اليابس المستعار لنساء بلا جمال
الصرخات التي تهمس بها الحيوانات التي بلا نعاس
الحيوانات التي يحبها المرء،
التي يضمها إلى صدره، التي يخنقها في سريره
الحيوانات التي لا أهل لها ومع ذلك تُدْفنُ بكل هذه الأبهة
أيُّ عالمٍ قاسٍ هذا
عالمُ المحبةِ المُشتراة
*****
يا قرداً يريد زوجةً بيضاء
يا قرداً يشتهي أثداءً رقيقة
يا قرداً يحبُّ أسرَّة النساء
يا قرداً قبيحاً بائساً أبلهاً
ما من امرأةٍ يمكنها الابتسام بين يديك
فلتحسن يا قرد إذاّ
اختيار أنثاك
*****
رجل نظر مبتسماً إلى المنون في وجهها
كانت منتشيةً على فراشها اللازوردي
كانت راقدةً، معدنيةً وجميلة
انحنى رقيقاً ومشتهياً
أن يتذوق على شفتيها حياة أزهارٍ عمرها يوم
دم أطفال، دم حيوانات، دم أسماك
مس شفتيها بفمه البارد الحس
ومات دون أن يفهم
عدم فهمه
*****
نفَسُكَ المشهوق في فمي
يداك اليابستان ذواتا الأظافر المدببة
لا تحررُ أبداً حلقي الملتهب
الملتهب من العار، من الألم، من اللذة
شفتاك البنفسجيتان تمتصان دمي
ستغويك دائماً شهواتي المُطفأة
بينما عيناي ستبقيان مغمضتين
*****
أريد أن أبدو عارية أمام عينيك المبتهلتين
أريد أن تراني أصرخ من اللذة
أن تدفعك أعضائي التي تتلوى تحت ثقلٍ جد فادح
إلى فعالٍ كافرة
أن يتشبث شعر رأسي المباحة الناعم
بأظافرك المقوسة من الهيجان
أن تقف أعمى ومصدقاً
ناظراً من فوق إلى جسدي العاري من الريش
*****
عنقك ساريةٌ معلقٌ عليها
جسدك المتأرجح في الفراغ يتوسل إليَّ
يتوسل إليَّ أن أنفخ في فمك المفتوح
الكلماتِ الضعيفة
لرغبتي
فأنا أريد هياجك
أريد أن أرى عينيك متثاقلتين
أن أرى خديك وهما يبيضان إذ يتغضنان
أريد ارتعاشاتك
فلتنفجر بين فخذيّ
ولتلبَّ رغباتي على الأرض الخصبة
لجسدك الماجن
*****
رذائل الرجال
ميدان اختصاصي
جراحهم مغانمي اللذيذة
أحب أن ألوك نواياهم الخسيسة
لأن دناءتهم تصنع جمالي