recent
أخبار ساخنة

جريمة غسيل الأموال في المجتمع العراقي ومصادرها..!

الحرير/
الاكاديمية والخبيرة القانونية/د. راقية الخزعلي

يشير مصطلح غسيل الأموال الى محاولة إضفاء الشرعية على أموال ناتجة من عمليات غير قانونية مثل تجارة المخدرات والاختلاس والرشوة وغيرها، وقد اصبح هذا المصطلح شائع الاستعمال على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
تعرف عملية غسيل الأموال، بانها جريمة اقتصادية، لها اثار سلبية اقتصادية واجتماعية عديدة على المجتمعات تؤدي الى خلق حالة عدم توازن بين افراد المجتمع وتعمل على تقليص فرص الامن الاجتماعي والاقتصاد
استخدم مصطلح غسيل الأموال كظاهرة اجرامية في الولايات المتحدة الامريكية في عام 1920-1930 عندما استخدمه رجال الامن للدلالة على ما تقوم به عصابات المافيا من شراء للمشروعات والمحال التجارية بأموال غير مشروعة او ما تسمى بالأموال القذرة، ومن ثم خلطها برؤوس أموال وارباح من تلك المشروعات لاخفاء مصدرها عن اعين السلطات القانونية.

وعاد هذا المصطلح بالظهور وبشكل واسع حينما ظهرت ما يعرف بفضيحة (ووترجيت) عام 1973 في الولايات المتحدة الامريكية ويعرفها البعض بانها إخفاء وطمس المصدر الحقيقي للاموال المودعة لدى الجهاز المصرفي والناتجة عن عمليات غير مشروعة بهدف اكسابها صفة الشرعية، او إعطاء معلومات مغلوطة عن هذا المصدر باي وسيلة كانت، وتحويل الأموال او استبدالها لغرض إخفاء او تمويه مصدرها، كما يمتد هذا المصطلح ليشمل تملك الأموال غير المشروعة او قيادتها او استخدامها او توظيفها باي وسيلة من الوسائل لشراء أموال واصول منقولة او غير منقولة او للقيام بعمليات مالية مختلفة.
اذا يمكننا القول، انها عملية يلجا اليها عادة من يعمل في تجارة المخدرات او الجريمة المنظمة او غير المنظمة لاخفاء المصدر الحقيقي للدخل غير المشروع والقيام باعمال أخرى للتمويل كي يتم إخفاء الشرعية على الدخل الذي تحقق.
والسؤال هنا، ماهو موقف القانون العراقي لجريمة غسيل الأموال؟

نجيب عن ذلك بالقول انه قد عرف قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015، غسيل الأموال في المادة 2 من الفصل الثاني التي بينت الحالات التي يعد الشخص فيها مرتكبا لجريمة غسل الأموال والتي تتمثل بالافعال التالية:.

  1. تحويل الأموال او نقلها او استبدالها من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم انها متحصلات عن جريمة لغرض إخفاء او تمويه مصدرها غير المشروع او مساعدة مرتكبها او مرتكب الجريمة الاصلية او من اسهم في ارتكابها او في ارتكاب الجريمة الاصلية على الإفلات من المسؤولية عنها.
  2. إخفاء الأموال او تمويه حقيقتها او مصدرها او مكانها او حالتها او طريقة التصرف فيها او انتقالها او ملكيتها او الحقوق المتعلقة بها من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم انها متحصلات من جريمة.
  3. اكتساب الأموال او حيازتها او استخدامها من شخص يعلم او كان عليه ان يعلم وقت تلقيها انها متحصلات جريمة .
  4.  بيد انه اكدت المادة 3 من هذا القانون على انه لا تتوقف ادانة المتهم عن جريمة غسل الأموال على صدور حكم عن الجريمة الاصلية التي نتجت عنها هذه الأموال، حيث لا يمنع الحكم على المتهم بالإضافة عن الجريمة الاصلية الحكم عليه عن جريمة غسل الأموال أيضا والتي نتجت عن تلك الجريمة وعندئذ تطبق احكام تعدد الجرائم والعقاب المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي.
    والسؤال هنا، هل يعد العراق من الدول المتهمة بغسيل الأموال غير المشروعة على المستوى الدولي؟
    نجيب على هذا السؤال بالقول ان العراق شكل أرضية خصبة لغسيل الأموال خصوصا بعد عام 2003 والتغيير الذي حدث في النظام السياسي نظرا لظروف عديدة اجتمعت معا أهمها غياب سلطة القانون الفاعلة وعدم الاستقرار السياسي والأمني ووجود الثروة النفطية والمواقع الاثرية المتعددة فضلا عن الانفتاح على الاقتصاد العالمي، واذا اردنا حصر مصادر الأموال غير المشروعة التي يمكن استخدامها كاداة لغسيل الأموال في العراق فهي الاتي: 
  5. مزاد العملة في البنك المركزي العراقي.
    يرى الكثير من المهتمين بالشان المالي، ان مزاد العملة يعد اهم أوجه غسيل الأموال وهذا ما صرح به الكثير من المسؤولين في الحكومة العراقية كمحافظ البنك المركزي السابق (عبد الباسط التركي) وكذلك بعض أعضاء مجلس النواب العراقي.
  6. سرقات البنوك والمصارف.
    منذ عام 2003 أي بعد احتلال العراق ولعل اشهرها سرقة مصرف الرافدين فرع الزوية في بغداد حيث بلغت أمواله المسروقة حوالي 8 مليارات دينار عراقي وسرقة المصارف الاهلية آنذاك حيث شهدت المدة 2004-2008 العديد من حوادث السرقات لاموال المصارف العراقية.
  7. سرقة وتهريب الاثار العراقية وبيعها في الأسواق العالمية.
    وابرزها سرقة المتحف العراقي ابان الغزو الأمريكي عام 2003 حيث سرق اكثر من 13864 قطع اثرية منها، فضلا عن سرقة تنظيم داعش الإرهابي لاثار مدينة الموصل عام 2014. تهريب النفط ومشتقاته الى الخارج. حيث قدر مكتب المحاسب الأمريكي في تقرير له عام 2007 قيمة النفط المسروق بين خمسة ملايين وخمسة عشر مليون دولار يوميا محتسبا سعر البرميل الواحد ب50 دولارا ويعتقد ان عملية السرقة مازالت مستمرة ومتصاعدة في هذا المجال.5. تهريب المصانع والمكائن والالات والمعدات الى الخارج.بعد 2003 تعرضت شركات ومعامل التصنيع العسكري هي الأخرى للنهب والسرقة وتم بيع مكائنها ومعداتها الى دول الجوار إضافة الى معدات الجيش العراقي آنذاك.6. الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة.والناجمة عن عمليات الاختلاس الكبيرة للاموال المخصصة للمشروعات الخدمية وإعادة الاعمار وليس ببعيد عن ذلك (صفقة القرن) الناشئة عن اختلاس أموال الضرائب وغسيلها والتي اعلن عنها قبل بضعة أيام.  
  8. تهريب المخدرات والمتاجرة فيها.حيث انتشر التعامل بالمخدرات بدرجة مخيفة في المجتمع العراقي خاصة في المحافظات الجنوبية والوسطى في العراق ولا يخف ان هذه التجارة تدر ملايين الدولارات على المتعاملين بها.
  9. عمليات الخطف التي طالت العديد من طبقات المجتمع العراقي .حيث كان الهدف الأساسي لمعظمها هو الحصول على الفدية ومن ثم تمويل العمليات الإرهابية او تحقيق مكاسب غير مشروعة.
  10. الاقتراض من البنوك من دون ضمانات كافية.او التهرب من وفاء تلك القروض، وهذا الامر يعد العامل الرئيسي الذي دفع البنك المركزي العراقي للوصاية على بعض المصارف الاهلية كمصرف الوركاء ومصرف الاقتصاد للاستثمار فضلا عن قيام بعضهم بجمع أموال المودعين وتهريبها للخارج، عند مراجعتنا للدول المتهمة بغسيل الأموال وتهريبها، نجد ان العراق بلغ المرتبة السادسة عالميا ويعد هذا المؤشر خطرا كبيرا لابد من الوقوف على معالجته من قبل الحكومة العراقية ووضع السبل الكفيلة لمعالجة جريمة غسل الأموال والحد من تفاقمها مستقبلا.يثار التساؤل هنا عن العقوبة التي وضعها المشرع العراقي لمرتكبي جريمة غسل الأموال؟نجيب على ذلك بالقول من المادة 36 من الفصل11 من قانون رقم 39 سنة 2015 اشارت الى عقوبة غسيل الأموال حيث نصت على الاتي :.” يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن 15 سنة وبغرامة لا تقل عن قيمة المال محل الجريمة ولا تزيد على خمسة اضعاف كل من ارتكب جريمة غسل أموال ” إضافة الى الحكم بمصادرة الأموال محل الجريمة ومتحصلاتها او الأشياء التي استعملت لارتكابها او التي كانت معدة لاستعمالها واذا تعذر ضبطها او التنفيذ عليها تعاد ما يعادل قيمتها المادة (38) من ذات القانون.من كل ما تقدم والسؤال الأهم هنا، هل الحكومة العراقية والقضاء العراقي ادانت المتهمين بقضايا الفساد والاختلاس والسرقة أمثال (نور زهير) وشركاؤه عن سرقة القرن وما يشابهها من عمليات فساد كشفتها الحكومة الحالية؟هل تم تفعيل القانون الخاص بغسل الأموال العراقي رقم 39 لسنة 2015؟ هل تم ادانتهم عن جريمة غسل الأموال إضافة الى جرائم الفساد والسرقة والاختلاس، ام مازال حبر على ورق؟!
google-playkhamsatmostaqltradent