الحرير/
بقلم /محمد الباقر أبو رغيف
قضيت ما يقارب الأسبوعين على مرتين منفصلتين في شمال العراق "كردستان" هناك الكثير من التفصيلات الملفتة أثارت انتباهي، سأُجسد أهمها في ثلاث نقاط ولي بعدها تعقيب.
*الاعتزاز بالهوية
أبرز سمة يمكن أن يلاحظها الزائر لكردستان هو اعتزاز المواطنين بهويتهم القومية وعلم الإقليم وكذلك القيادات الكردية، فترى اللغة الكردية طاغية على كل الأماكن دون الاستعارة باللغة الانكليزية "كما هو حال العرب" وترى العلم في كل مكان، فإذا اتجهت نحو الجبال فسترى العلم مثبت في أعلى القمم، وإن ذهبت للتسوق تجد العلم في الأسواق وكذا الفنادق والمطاعم وأغلب الأماكن العامة والخاصة، وتلاحظ إذا زرت هذه الأماكن صور القيادة الكردية (بارزاني، طالباني) وحسب تأثير كل منهما.
*تجسيد النضال
السمة الثانية التي من الممكن ملاحظتها هو تجسيد النضال الكردي، وإشعار المواطنين بأهمية ما خاضه الأكراد في مسيرة حياتهم وتضحياتهم من أجل إقامة الحكم الذاتي الكردي، وما قام به أبناء الجبل لتحقيق ذلك، فتجد التماثيل لجنود أكراد حاملين العلم الكردي والبندقية بوضعيات وأعداد مختلفة، وكذلك الرسومات على الجدران منتشرة بكثرة فالكثير من الجدران العامة تحمل رسومات للقوات الكردية بوضعية القتال حاملين العلم.
*التعايش مع الطبيعة
التسليم للطبيعة والتعامل معها على أساس القدسية أمر ملفت وجميل للغاية، فالطبيعة مسخرة لخدمة الانسان والحكومة تتعامل معها على انها ثروة، تجد العمران والبناء وفقًا للطبيعة فتراه يرتفع مع ارتفاع الأرض وينخفض مع انخفاضها وترى منزلين متجاورين أحدهما على ارتفاع يختلف عن الآخر وهذا يزيد الجمال جمالًا، بالإضافة إلى الاعتناء بالأشجار بطريقة مبهرة فحتى النباتات الثابتة على الجبال والبعيدة ترى هناك اعتناء بها وإحاطة أغلبها بحجر للجمالية وهذا يشير إلى اهتمام كبير من قبل المواطن والحكومة.
تعقيب
في كل النقاط أعلاه تجد للحكومة الدور الأكبر فيها والتأثير، فالنقطتين الأوليتين العاتق الأكبر بهما على الحكومة وعملها على تنشئة اجتماعية وسياسية تخرج الفرد الكردي مؤمن بالقضية الكردية ومستعد لحمل اللواء من أجل الدفاع عنها، وهذا بغاية الأهمية ونفتقده بشدة في الحكومة الاتحادية التي لا تعمل على ترسيخ الهوية الوطنية والإعداد لأمة عراقية تشمل الجميع "حتى الأكراد" وبهذا الصدد نرى بشكل كبير غياب دور الحكومة الاتحادية وتأثيرها هناك، فعندما تسير في الإقليم تعتقد بأن ما يربطنا بهم هو كونفدرالية وليس فدرالية فهم بمظهر الدولة المستقلة ولا ترى للعلم العراقي أثر وتراه فقط في الدوائر الرئيسية، وأهم مكان يجب فرضًا أن يرفرف فوقه العلم العراقي هو المدارس وتجد للأسف أغلب المدارس تخلو من العلم العراقي ولا يرفرف فوقها سوى علم الإقليم، وكذلك أغلب السيطرات الأمنية الفرعية والرئيسية ترفع علم الإقليم فقط، وهذا ينتج بطبيعة الحال جيل يعتقد ويعتز بعلم الإقليم دون علم العراق.
المواطنون في الاقليم على مستوى عالٍ من الثقافة واحترام الآخر والتنظيم والنظافة وهذا تلتمسه بشكل جلي في الأسواق والشوارع والمطاعم وسيارات الأجرة المحترمة بشكل كبير وملفت فترى سيارة الأجرة وإن كانت ذات موديل قديم إلا إنها نظيفة للغاية والسائق ثيابه لائقة.
التعامل الجيد، كثيرًا ما نسمع إن الأكراد لا يحترمون العرب في الإقليم ويقللون من شأنهم، بصراحة لم ألتمس شيء من هذا القبيل، فزيارتي الأولى كانت جوًا الى أربيل وأقرب للوفد الرسمي وطيلة الأيام هناك لم نجد سوى الاحترام والتعامل الجيد، وزيارتي الأخيرة كانت للسياحة برًا لمدينة أربيل وادهوك وزاخو، ايضًا وجدت الاحترام والتعامل الجيد من الجميع، وقد تحدث خروقات من هنا او هناك اكيدًا.
في الختام أوكد على ما ننادي به مرارًا وتكرارًا وهو تصحيح مسار العلاقة مع الإقليم، فعلى الحكومة الاتحادية أن تثبت حدود الروابط والصلاحيات فأما أن يتعامل الإقليم كجزء من جمهورية العراق الاتحادية، له حقوق وعليه واجبات وأما ان تقطع عنه كل المخصصات المالية وغيرها ولينفصل إن استطاع ولن يستطيع، بالإضافة الى واجب الحكومة بالعمل على التنشئة السياسية والاجتماعية لتهيئة الأرضية اللازمة لترسيخ مبادئ الأمة العراقية وان تكون الهوية الوطنية الأولى على كل الهويات الفرعية.
2/6/2022